للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المُطَّرِدة، فما وقع الرسم على خلاف الأصل إلا في حذف الياء بمقتضى القاعدة المُطَّرِدة في رسم القرآن وغيره (١)، فاندفع اعتراض السخاوي حيث قال: (من قال (٢): كتبوا ءاتُونِي بغير ياء لم يحسن العبارة؛ لأنه يوهم أن الكاتب حذف الياء، وهو إذا كتب على الأمر من الإيتاء لا يقال: إنه حذف الياء لأنه ليس هناك ياء فتحذف) (٣) انتهى.

ولا يخفى أن قيد " آتُونِي " بخصوص هذا الموضع (٤) يفيد أن لا حذف في غير هذه السورة (٥)، ورُسِمَ قوله تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي} [الكهف: ٩٥] بنونين في


(١) مراده بغيره؛ غير رسم القرآن وهو الرسم القياسي الإملائي.
(٢) قائل ذلك في الحرف الأول هو الداني أما في الحرف الثاني فهو يرويه عن محمد بن عيسى. وانظر: المقنع صـ ٨٦.
(٣) انظر: (الوسيلة إلى كشف العقيلة صـ ١٨١). وخلاصة اعتراض السخاوي: أن إطلاق القول بحذف الياء من {آتُونِي} ليس بحسن؛ لأن فيها قراءتين؛ إحداهما من الإتيان والأخرى من الإيتاء، وحذف الياء إنما هو بناء على أنه أمرٌ من الإتيان فوجب تقييد الحذف باعتباره لأنه إذا كتب على الأمر من الإيتاء لا يقال: إنه حذف الياء لأنه ليس هناك ياء فتحذف.
وخلاصة تعقب المؤلف على السخاوي: أنْ بيَّنَ سببَ اقتصارِ الناظمِ على حذف الياء دون التنويه بحذف الألف بقوله: (لكنهم لم يجمعوا بين ألفين في جميع الهجاء ولذا قال: كلٌّ بلا ياء آتُوني) والذي يظهر لي أن اعتراض السخاوي لا يندفع بما ذكره المؤلف؛ لأن السخاوي لما قال: (من قال كتبوا آتُوني بغير ياء لم يحسن العبارة) لم ينقم على القائل كونه لم ينص على حذف الألف، بل نقم عليه كونه أطلق ولم يقيد بإحدى القراءتين، وعليه فتعقب المؤلف ليس واردًا على كلام السخاوي إذ لم يحرر محل الخلاف، فمُؤَدَّى كلامهما واحد، فالسخاوي يقول: (وهو إذا كتب على الأمر من الإيتاء لا يقال: إنه حذف الياء لأنه ليس هناك ياء فتحذف)، والمؤلف يقول: (لأنه إذا كان الأمر من الإيتاء فلا حذف هناك بناءً على القاعدة المُطَّرِدة)، لكن الأولى في تعقب السخاوي -فيما يظهر لي- أن يقال: إنه قد جرت العادة أن تذكر مخالفة الرسم الاصطلاحي للقياسي ولو كانت المخالفة إنما هي باعتبار قراءة دون غيرها، ولهذا أمثلة كثيرة وعليه فلا وجه لتعقب السخاوي على محمد بن عيسى والداني في هذا الموضع وهو يرضاه منهما في مواضع أخر والله أعلم.
(٤) عدم تصريح الناظم بالاطراد حيث وقع هو قيد وتخصيص بالموضع محل الكلام.
(٥) لم يرد لفظ " آتُونِي " في القرآن إلا في هذه السورة في الموضعينِ الذينِ أشار إليهما الناظم، ولفظ الناظم لا يحتمل غيرهما؛ لأنه لم يُقرأ من الإيتاء إلا هما، أما قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} [يونس: ٧٩] و {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} [يوسف: ٥٠، ٥٤] و {قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ}
[يوسف: ٥٩] و {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: ٩٣] و {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: ٣١] و {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا} [الأحقاف: ٤]، فالقراءة في جميعها من الإتيان لا من الإيتاء، فلا تدخل في كلام الناظم أصلًا.

<<  <   >  >>