للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فمن قال ذلك لم يستنصر من الأدلة نصيرا ولم يُقِمْ على قوله برهانًا منيرًا، أو المعنى (١): لم يساعده نصير ولم يوافقه خبير؛ لما يأتي في بيته الآتي ردًّا على هذا الكلام، الخالي من تحقيق المرام، حيث قال:

١٥ - كم من بدائعَ لم توجدْ بلاغتُها … إلا لدَيْهِ وكم طولَ الزمانِ تُرى

بصيغة المجهول، والمعنى: لو كان إعجازُه مجردَ الصَّرْفةِ كما ذكره هؤلاء الجماعة لم يكن حاجة إلى هذه البدائع الكثيرة والصنائع الغزيرة الواردة، بل كان أقلُّ نوع من الكلام كافيًا في مقام الإلزام، بل أدلَّ على تحقيق المرام، فعُلِم بذلك أن المعجزةَ ليست الصَّرْفةَ هنالك، بل هي بدائع الصنائع (٢) من غاية الفصاحة، ونهاية البلاغة، التي لم توجد في كلام البشر، فدل على أنه كلام خالق القُوَى والقُدَر، ثم هذه البدائعُ تُرى في طول الزمان، مع كمال الفصاحة والبلاغة في ميدان البيان، ولم يقدر أحد على معارضته من أفراد الإنسان (٣)، بل عجزوا عن تحقيق مبناه، وتدقيق معناه، حيث لم يطَّلِع أحد على كُنْهِ مقتضاه، لأنه كلام الله، وصفته التي لا يحيط بها علم أحد من خليقته.


(١) في نسخة (ص) و (ز ٨) "والمعنى" وفي نسخة (بر ٣) (إذ المعنى) ولعل الأظهر ما أثبتناه من بقية النسخ.
(٢) إطلاقه -رحمه الله- "الصنائع" على كلام الله غير مستقيم لأن كلامه -عز وجل- صفتُه وصفتُه منه، والمؤلف لا يقصد القول بخلق القرآن بدليل قوله بعد قليل (لأنه كلام الله، وصفته) ومعلوم أن من قال بأن القرآن صفة الله لا يقول بأنه مخلوق لأن صفاته -عز وجل- غير مخلوقة.
(٣) ولا الجان بدليل قوله تعالى {لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: ٨٨].

<<  <   >  >>