أثنى على نفسه، وفوق ما نثني عليه، له الحمد كما هدانا وله الحمد كما كفانا وآوانا، وله الحمد بالإسلام، وله الحمد بالإيمان، وله الحمد بالسنة والقرآن، له الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، هدانا للإسلام وعلَّمَنا القرآن، ثم يأجرنا على ذلك كثيرا ويقول:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}[الرحمن: ٦]، وما إحساننا لولاه، وما إيماننا لولاه {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[الحجرات: ١٧]، أتم بالإسلام علينا النعمة وقال {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: ٣]، فتمام النعمة في كمال الدين، فالدين من حيث هو قد كمل، وأتم الله به علينا النعمة، وإنما يكمل أحدنا بقدر أخذه من هذا الدين علماً وعملًا، فمن كان بهذا الدين أقعد؛ فهو بنعمة الله أحظى وأسعد، وبقدر ما يرفع العبد به رأسه؛ تكون نعمة الله عليه أتم، إذ الدين قد تم، والنقص فينا، وما يسدُّه إلا تمسكنا بهذا الدين.
ولما كان هذا القرآنُ -كلامُ ربِّنا وخالقِنا والعالمِ بما يصلحُنا ويصلحُ لنا، إذ هو أعلم بنا من أنفسنا- جامعًا لأسباب السعادة الدنيوية والأخروية، فما من خير إلا دل عليه، وما من شر إلا حذر منه، فأحكامه أتم العدل وأخباره أتم الصدق {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}[الأنعام: ١١٥] فإنني حرصت على أن أكون ممن حظي بشرف خدمة هذا الكتاب العظيم.
وإن من أعظم نعم الله علينا أن تكفل بحفظ كتابه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩] {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)} [القيامة: ١٧ - ١٩]، ولم يكله إلى جهودنا، -علم ربُّنا ضعفَنا