للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمعنى: "مباركًا" فيه أبدًا سرمدًا، ومعنى "طيِّبًا"؛ أي: صالحًا خالصًا؛ من قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: ١٠]، وهو أولى من قول الشارح: (إن الطيب المحبوب المستحسن المتلذذ وهو ضد الخبيث) (١) كما لا يخفى، ثم إن هذا البيت مقتبس من الحمد الوارد؛ (الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه) (٢).

و"الدِّرر"؛ بكسر الدال جمع الدِّرة وهي الدَّفْعَةُ والصَّبَّةُ من المطر، كذا ذكره الشارح (٣)، وكأنه أراد به الرزق الكثير لأنه سببُه (٤)، والأظهر أن الدِّرة بالكسر هنا بمعنى اللبن كالدَّر؛ على ما في كتب اللغة (٥)، والمراد به الخير الكثير، كما يقال: لله دره؛ أي: خيره وكما يشير إليه قول صاحب القاموس: الدِّرة بالكسر سيلان اللبن وكثرته (٦).

فالمعنى: أن حمدَه سبحانه سببٌ لاستنزال الرحمة واستكثارِ النعمةِ كما يومئ إليه قوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: ٧]، فالحمد لله والثناء؛ مُسْتَجْلِبٌ للعطاء؛ من غير الطلبِ والدعاء، كما قال بعضُ حسنِ الأداءِ؛ في مدح بعض الكرماء، شعر:

إذا أثنى عليك المرء يومًا … كفاه من تعرضك الثناء (٧)


(١) انظر: (الوسيلة إلى كشف العقيلة صـ ١٤).
(٢) رواه البخاري: ك: الأذان، باب: فضل اللهم ربنا لك الحمد، وفي الأطعمة، باب: ما يقول إذا فرغ من الطعام (٥١٤٢)، ومسلم: ك: المساجد ومواضع الصلاة، باب: ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة (٦٠٠)، وغيرهما.
(٣) انظر: (الوسيلة إلى كشف العقيلة صـ ١٤)، واللسان ٤/ ٢٨٠.
(٤) أي: لأن المطر سبب الرزق.
(٥) انظر: اللسان ٤/ ٢٧٩ - ٢٨٠.
(٦) انظر: القاموس المحيط، فصل الدال باب الراء (٢/ ٢٨).
(٧) البيت من قصيدة لأُمَيَّةَ بنِ أبي الصَّلْتِ يمدح ابن جدعان، مطلعُها:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء
انظر: ديوان أمية بن أبي الصلت صـ ٣٣٤، وذكره ابن قتيبة في عيون الأخبار (٣/ ١٦٨)، وابن دريد في الاشتقاق (١/ ١٤٣)، والثعالبي في المنتحل صـ ٦٢، وابن القيم في مدارج السالكين (٢/ ٤٣٤) (منزلة الذكر).

<<  <   >  >>