وكانت تجارتهم مع الليبيين مقايضة: يأخذون منهم الانعام والاصواف والجلود وريش النعام والعاج ويدفعون لهم عوض ذلك اقمشة مصبوغة بالحمرة واسلحة وخمرا واواني من الزجاج والطين.
وللاتجار مع الليبيين أسسوا بسواحلهم مراكز يستريحون بها من عناء السفر ويتزودون منها ويصلحون سفنهم. وقد راعوا في موقع مراكزهم أمرين: الامتناع ممن يريدهم بسوء، والتمكن من نقل بضائعهم بسهولة. فنزلوا لذلك الجزر القريبة من الساحل الليبي، والربى الساحلية، وما قرب من مصب الاودية في البحر.
ومن هذه المراكز حضرموت (سوسة)، عويتقة (بو شاطر). وهما بايالة تونس، ومنها هبون (بونة)، اجلجي (جيجل)، صلداي (بجاية)، وهذه بالوطن الجزائري. ومن المراكز المنسوبة لهم أيضا عوزية. ويقولون انها سور الغزلان وقد غلط اغسال القائلين بذلك مستندا الى انها في دواخل الوطن الجزائري، ولم يعرف في التاريخ بلوغ الفينيقيين الى تلك النواحي.
وعليه فان صح ان عوزية هي سور الغزلان فهي من مؤسسات البربر. وان صحت نسبتها للفينيقيين لم تكن هي سور الغزلان بل مدينة أخرى على السواحل لا ندري مكانها.
ويقال أن مؤسسات الفينيقيين بالساحل الليبي بلغت ثلاثمائة مركز. وهو احصاء قريب من المعقول لان السفن كثيرا ما تحتاج الى الاصلاح وسيرها بطئ. فاهلها مضطرون الى الاستراحة والاستعداد للسفر بعد السير الكثير والمسافة القليلة. وقد يؤسسون مركزا ثم، يبدوا لهم ما هو اوفق منه فينتقلون اليه. وبذلك تتقارب المراكز وتكثر.
وقد تحول بعض هذه المراكز من بعد الى مدن ذات فحوص واسعة أو ضيقة. وكثير منها سقط وعفا رسمه.