للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما حنبعل فانه عاد الى قرطاجنة وهو يرجو أن يأتي يوم تقبل فيه رومة شروطا كالتي قبلتها اليوم قرطاجنة. وظهرت طلائع الفوضى بقرطاجنة. واتهم حنبعل بالتقصير في فتح رومة فحاكم عليه بالقتل. ولكنه استمال الجند وقلب النظام وأصبح هو الآمر الثاهي. وذلك سنة (١٩٥) وأخذ في رتق ما فتقته الحرب. فدرب الجنود ونشط الفلاحة. ولم يرق ذلك للرومان فبعثوا اليه بالكف عن تلك النهضة التي تعيد لقرطاجنة شبابها، وتخشى منها رومة خرابها. ولم يستمع اليهم حنبعل على كثرة الحاحهم. ولا أعياهم اعراضه عن موافقتهم عزموا على اغتياله بمساعدة أرباب الاموال التي استحوذت على قلوب أصحابها فلم تبق بها منفذا لحب الوطن. وإذ ذاك أيس حنبعل من خدمة أمته بقرطاجنة. ففر الى الشام ونزل على ملك السريان " أنطيوكيس " وأراد أن يشغل رومة ويخدم وطنه من الخارج. فطلب من ذلك الملك المدد لمحاربة رومة في المشرق. فأمده. وأخيرا أيس من أن تكون لهذه المحاولات ثمرة. فسم نفسه سنة (١٨٣).

وهكذا انتهت حياة هذا البطل العظيم والقائد الكبير الذي لم يهزمه غير الخائنين من قومه عبدة المنفعة الشخصية. فمضى ولسان حاله ينشد:

أنا لولا أن لي من أمتي ... خاذلا ما بت أشكو النوبا

[هـ - الحرب البونيقية الثالثة (١٤٩ - ١٤٦)]

خرجت قرطاجنة من الحرب الثانية على تلك الصفة القاضية عليها بالموت. ولكنها أمة تجارية نشيطة فتحسنت حالها وانتعشت. وكان مصينيسا يقلقها بغاراته على حدودها. وقام بها ثلاثة أحزاب: حزب مالي غرضه السلم ومداراة رومة، وحزب وطني غرضه تأييد

<<  <  ج: ص:  >  >>