كان هذا الجواب قاطعا لآمال يستنيان في أن يفيد صديقه هلدريق بالمكاتبة. ولم يبق له الا الاعراض عنه أو الحرب. وهي أنسب بعظمته. فتجهز لحرب الوندال بأفريقية. وانتهت الحرب بخضوع جلمير الى قائد الروم البيزنطيين. فذهب به هذا القائد الى القسطنطينية. ومنحه يستنيان أرضا بالاناضول قضى بها بقية حياته.
[٨ - اعمال الوندال]
الوندال أمة حربية متعصبة لمذهبها. فلم يشتغلوا بأفريقية الا بالغزوات البحرية، والاضطهادات للارثذوكس. ولم يفيدوا الوطن لا بعلم ولا بصناعة. بل كانوا سببا في نقص عمرانه وعلة لخرابه ومادة لاذكاء نار الثورات به.
جنسريق مؤسس دولتهم والمعدود من أمهر السياسيين أمر بنسف عمران أقسام موريطانيا وافساد سبلها عندما بلغه ان مجريان جمع جموعه بقرطجنة، وقاصد لحربه على طريق المغرب. وكان مشتدا على الارثذوكس، حتى انه سنة (٣٧) طلب منهم الدخول في مذهب أريوس. وأغلق كنائس من لم يلبوا طلبه منهم ونفاهم.
وهنريق جمع في سنة (٨٣) أساقفة وقسوسا وشمامسة من الارثذوكس، بلغ عددهم ٤٩٧٦ وحشرهم في شق بنارية، وسيقوا من هنالك الى مجزرة الصحراء. وطلب اليه بعض أساقفة الارثذوكس انهاء اضطهادهم بعقد مجمع في أفريقية، يستدعى اليه كل من له رتبة في الكنيسة من جميع أنحاء العالم. فأجابه بقوله:"أني أحب ذلك. لكن بشرط أن تضع العالم كله تحت سيطرتي".
وغندامد اشتد أيضا على الارثذوكس أولا. وفي سنة (٨٧) عفا عنهم.