كان المسلمون على غاية من الاتحاد واجتماع الكلمة. يتلون من كتابا الله ويروون من أحاديث رسوله ما يقوي ميلهم الى الاتفاق ونفورهم من دواعي الشقاق. فلقد بويع أبو بكر (ض) بالخلافة. ولم يرض بيعته كثير من الصحابة. ولكنهم آثروا اجتماع الكلمة وحافظوا على الجامعة الاسلامية. فلم يعترضوا بيعته بالفعل وسلموا لحكم الجمهور.
وعهد ابو بكر (ض) بالخلافة لعمر (ض) فنفذوا كذلك عهده. ثم بويع عثمان (ض) واتسعت على عهده الفتوحات. ففنيت الطبقة الاولى من المسلمين استشهادا وتشتتا في الاوطان. وخلفتها طبقة من اغمار العرب ومسلمة الفتح. وكان فيهم من تدثر بالاسلام فرارا من ذل الجزية وطلبا للانتقام من أهله بالدسائس وكان من أمر هذه الطبقة ان تداخل جمهور منها في سياسة هذا الخليفة وأسسوا جمعيات بمصر والكوفة والبصرة لبث دعاية ضده. وانتهى الامر الى حصاره ثم قتله رضي الله عنه وغضب عن قتلته.
نتج عن هذا الحادث الجليل خطوب جسام لم تزل أدواؤها تفتك بالجامعة الاسلامية الى اليوم. فمن هذا الحادث حييت في العرب العصبية القومية وحلت محل العصبية الدينية، وظهرت مذاهب الخوارج والشيعة، وانقضى نظام الخلافة وحل محلها نظام الحكومات