قد رأيت أن العرب قبل الاسلام كانت لهم دول شمالا وجنوبا. أما قلب الجزيرة فكان تحت امراء ورؤساء عديدين. فلم تكن لهم وحدة سياسية، وقد كادوا يفقدون استقلالهم قبيل الاسلام: اذ استولى الفرس على اليمن، وكان المناذرة تحت حمايتهم، والغساسنة تحت حماية الروم البيزنطيين.
وكانوا من حيث الدين أيضا على أديان مختلفة. فكانت الفوضى شاملة للوجهتين الدينية والسياسية.
والامم غير العرب ليسوا بأسعد منهم في هاتين الوجهتين، بل ان العالم كله أمسى في فوضى عامة لا يبصر في ظلامها الدامس سبيلا للرقي والكمالات البشرية. يشهد بذلك التاريخ الصادق.
وقد امتاز العرب عن غيرهم من أهل عصرهم بالاخلاق الفاضلة مثل الصدق والوفاء وحماية الجار الى غير ذلك مما لا يسعنا تتبعه وامتازوا أيضا بقربهم من الفطرة. فكانت أذهانهم صافية وعقولهم راجحة.
كان العالم في حاجة شديدة الى نور يهديه سبل الكمال، وصيحة عظيمة توقظه وتلفت نظره نحو ذلك النور. وكان العرب - كما قلنا- أقرب من غيرهم الى الفطرة وأقوم أخلاقا. فكانوا أهلا لان يبدو من جزيرتهم ذلك النور، وان يكون صاحب الصيحة رجلا منهم قد عرفوا فضله على رجالهم وفضل عشيرته وقبيلته على عشائرهم وقبائلهم.
هذا الرجل هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي. رجل أمي نشأ بين قوم أميين. وكان المثل الاعلى عندهم في