الاخلاق الفاضلة من صدق ووفاء عهد وأمانة ورأفة بالضعفاء واحسان الى عموم الناس. ناهيك أنه كان له عبد يدعى زيد بن حارثة، ولم يكن أبوه حارثة عالما بمكانه حتى عرف انه في مكة. فقصده هو وعم زيد. وطلبا الحربه محمد ان يسرح ولدهما يذهبان به معهما. فاحالهما على اختيار زيد للاقامة معه أو الذهاب معهما. فقالا له: لقد انصفتنا. وجاء زيد فاختار ربه على أبيه.
هذا الرجل الامي الكامل في بشريته لم يجلس الى العلماء ولا صاحب زعيما من الزعماء ولا خرج من بين قومه الى أي بلدة سوى أنه سافر مرتين الى الشام، الاولى كان فيها صبيا ابن اثنتي عشرة سنة، تعلق بعمه وكافله ابي طالب عند خروجه اليه، فاستصحبه، والثانية كان فيها فتى قد عرف فضله وأمانته، فرغبت اليه خديجة في أن يذهب ببضاعتها الى الشام تاجرا. ففعل.
لسنا نريد ان نشرح حياة هذا الرجل قبل ان يبلغ الاربعين شرحا وافيا. ولكنا نريد ان نعلم أنه عاش في تلك المدة كرجل أمي سوى ما كان عليه من خلق عظيم.
ولما بلغ الاربعين من عمره اصطفاه الله وعهد اليه بمهمة القيام باصلاح المجتمع البشري من جميع مناحيه. تلك المهمة التي لم يقم بها أحد قبله، ولا يستطيع أن يقوم بها أحد بعده ولو قرأ في أعلى مدارس الفلسفة وعاش أكثر من قرن قضاه بحثا ودرسا عمليا. وبذلك كان محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلائق على الاطلاق.
كانت الفوضى اذ ذاك بالغة منتهاها. فكانت دعوته بالغة منتهى التوحيد، اذ دعا الناس الى عبادة اله واحد، والعمل بشريعة واحدة جامعة بين الوحدتين الدينية والسياسية، شاملة للسعادتين الدنوية والاخروية.