الخلفاء بتنظيم شؤن الدولة واحداث المناصب وضبطها في الحكومة.
فنقلوا الدولة من بساطة الخلافة وسذاجتها الى ضخامة الملك ودقة نظمه، وعنوا كذلك بالعلوم والآداب وترقية المدارك عناية لم يسبقوا بها ولا حاكاهم من بعدهم فيها. ترجموا علوم اليونان وآداب الفرس وحكمة الهند، وبذلوا في ذلك الاموال وقربوا أهل العلم ايا كان جنسهم ودينهم، وأسسوا المكاتب والمدارس، فانطلقت الافكار متسابقة في ميدان الابتكار. فانتشرت العلوم والمعارف وترقت الآداب ولطفت الاذواق، وعم التهذيب الافكار والاعمال من انشاء وتحرير وبناء وتزويق وغناء وتوقيع وهلم جرا.
قال سديو في كتابه "خلاصة تاريخ العرب": "وأظهر ذوو الفنون الميكانيكية تقدمات يشهد بها ما بعثه الرشيد الى شرلمانية ملك الفرنسيس من الساعة الكبيرة الدقاقة التي تعجب منها أهل ديوانه ولم يمكهم معرفة كيفية تركيب عدتها".
وأظهر خلفاء الدور الاول عناية بالعلوم والحضارة ابو جعفر المنصور وهارون الرشيد وعبد الله المأمون، وجاراهم في عنايتهم من بعدم من الخلفاء وقلدهم فيها ولاتهم بالجهات مثل الاغالبة، ولعل تلك الساعة الدقاقة انما اجتازت الى فرنسا على طريق القيروان.
ولما اخذت الدولة في السقوط السياسي كانت العلوم والآداب والصنائع والفنون الجميلة قد نضجت وأصبحت الامة قادرة على القيام بها متعشقة لها، فلم يضرها ما أصاب الدولة من خلل بل بقيت في سيرها الى الامام تخدمها الايام.
[٢ - تأسيس الدولة الاغلبية]
كان المغرب لعهد تاسيس الدولة العباسية يضطرب فتنة، فلما