من ذلك الحين انتهت بقايا سيادة الرومان على شمال افريقية. واستقل به الوندال. وعدوا أنفسهم سادة هذا الوطن. فكانوا يؤرخون بايام ملوكهم. ولم يقبل الملوك القابا تشريفية من رومة لئلا يعدوا كموظفين رومانيين، وصاروا يرسمون صورهم على النقود.
وكانت المملكة الشرقية القوية تنظر الى أختها أو أمها المملكة الغربية بعين الحنان والشفقة. فأراد أمبراطورها ان يتداخل في شؤون الوندال تارة لفائدة رومة وأخرى لفائدة الارثذوكس. ولكن ملوك الوندال كانوا يرفضون تداخله بكل شمم.
والخلاصة ان جنسريق كان في بداية استيلائه يتظاهر باحترام دولة الرومان. وبعد رجوعه من رومة رفع غشاء السيادة الرومانية. وبقي يلين القول لامبراطور القسطنطينية لقوته. فلما جاء خلفاؤه تمموا استقلالهم، وطهروه من شائبة أي تداخل أجنبي.
وقد علمت ان استيلاءهم على الجزائر فيما بين سنتي (٣٠ - ٤٢) كان تحت سيادة الرومان الاسمية. وعادت الجزائر الى الرومان من سنة (٤٢) الى سنة (٤٥٥) ومن هذه السنة استقل الوندال بالجزائر وغيرها. وجعلوا عاصمتهم قرطاجنة.
[٦ - نظام دولة الوندال]
بعدما استقر جنسريق ببونة أخذ ينظم شؤونه ويستأصل جرثومة الخلاف عليه. كان له أخ يدعى غندريك، وكان هو رئيس الوندال بالاندلس. فقتله هنالك، وأودع زوجته وابناءه السجن. فلما حل ببونة قتل الجميع، وتتبع شيعة أخيه حتى أخضعهم. واعتنى بالجندية والبحرية. فاتخذ جيشا من الوندال والبربر يشتمل على ثمانين فرقة. وكان يستميل البربر، ويتقي كل ما من شأنه ان يثيرهم عليه.