للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشترون منها بضائع بونيقية ويشاهدون بها حضارة بونيقية. فينقلونها داخل وطنهم باختيارهم. وما أسرع البربري الى الاخذ بالجميل إذا لم يكن مبغضا لأهله.

٢ - الجنود المرتزقة: ذلك أن قرطاجنة كان لها من البربر جنود مرتزقة. وهؤلاء الجنود يختلطون بالبونيقيين ويتأثرون بحضارتهم. فبعد أن يقضوا بينهم زمنا يعودون إلى أوطانهم ناشرين لتلك الحضارة.

٣ - أمراء البربر: ذلك أن الكثير من أمراء البربر ولوعا بترقية وطنهم. فكانوا يقتبسون من جيرانهم البونيقيين ما يبلغون به أمنيتهم. فيأخذون من مدنيتهم وحضارتهم أمثلة صالحة ينشرونها بين رعاياهم بهمة وعناية، ويسيون بها في مساكنهم واداراتهم شوطا بعيدا. والناس- كما قيل- على دين ملوكهم.

ولكون البربر هم الذين جلبوا الى وطنهم الحضارة القرطاجنية ونشروها بينهم باختيارهم لم تسقط هذه الحضارة بسقوط قرطاجنة بل عاشت في العصر الروماني، ولم يضرها جوار الحضارة الرومانية.

قال بيروني: بدلا من أن يقضي الرومان على حضارة قرطاجنة نشروها ومدوا في عمرها، مع عدم المناسبة بين الفينيقيين والرومان أصلا وحضارة. ولكن طول مكث الفينيقيين بأفريقية غرس حضارتهم في نفوس البربر غرسا لا يزول بزوال ملكها. حتى أن الرومان لما صاروا يملكون وينشرون حضارتهم لم يفهم ذلك البربر إلا أنها حضارة قرطاجنية. ولم يزل ذلك من أفكارهم إلا الفتح العربي. فكان عمر هذه الحضارة (١٧) قرنا.

هذا كلام بيروني سقناه لما فيه من الشهادات العادلة. وفيه

<<  <  ج: ص:  >  >>