تدبيرا رشيدا. فعاش البربر تحت عنايته بسعادتهم عيشا رغدا. لم يرم بهم في الحروب تلذذا بسعة النفوذ. ولا كان يعتني بشخصه ويهمل شأن أمته. فيعم الفقر ويقل الامن. ولا كان ظلوما جائرا. فيضطر الناس إلى الثورة. بل كان سياسيا حكيما وحاكما عادلا.
كان محافظا على عاصمته قرطة وعاملا لترقيتها وتحصينها. فجلب اليها أهل العلم والفن من الاجانب. وأصبحت على عهده مدينة علم وجمال ورفاهية. قال بارس في كتابه قرطة:" ويذكر المؤرخ ابيان ان مصيبسا حصنها تحصينا لا يمكن معه لاحد أن يفتحها عنوة. وجلب لها طائفة من اليونان. وزاد في تحصينها وخصبها حتى صارت يمكنها أن تجند عشرة آلاف فارس وعشرين ألف راجل. وبعد وفاته وانتصاب آذر بعل بها حاصرها يوغرطة ولم يتمكن من فتحها إلا بعد أن أضرت المجاعة بأهلها ".
وقد كان مصيبسا نفسه مكبا على العلم. فاشتغل بالعلوم اليونانية، والرومانية حتى برز فيها، وأصبح عالما مضطلعا بالفلسفة. وما أسعد أمة يحكمها ملك عالم غير متأثر بأمة أساتذته من الاجانب ولا مقدم لها على قومه.
ولما أحس بدنو أجله جمع ابنيه وابن أخيه وأوصاهم بالاتحاد في السلم والتعاون على حفط المملكة، حتى لا ينفرط عقد عزهم وتذهب دولتهم ضحية الشقاق.
وفي سنة (١١٩) أدركه حمامه بعدما أدار دولته أحسن إدارة ثلاثين سنة. وترك مملكته الواسعة في هناء واطمئنان ذات عمران مستبحر لم تنقصه الثورات الداخلية ولا عطلته الحروب الخارجية.