ذلك قياصرة رومة تفريقا للكلمة وحبا في النفوذ والاستبداد بالحكم وكان رجال الوظائف بعكس العامة ذهبت ثروتهم بسبب ما كان يثقل كاهلهم من النفقات البلدية.
فوجد قياصرة رومة في بذخ العامة وفقر الموظفين سبيلا للتدخل في اشقاء هذه الجمهورية. فصاروا يفرقون كلمتها بتلبية طلبات القرى الطامحة الى الاستقلال. ويضعفون نفوذ مجلس الأمة بتعيين الموظفين القيصريين مكان من عجز من أهل الوظائف البلدية عن القيام بمأموريته لفقره حتى اضمحل المجلس ووزعت أعماله على نواب القياصرة وعمالهم.
وكان انحلال الاتحاد بين المدن في القرن الثالث. فان ميلوم كانت تنازع قرطة في سيادتها وتجاريها في عظمتها حتى استقلت عنها وضمت اليها روسقاد وشولو. وآخر من تولى رئاسة هذه المدن الثلاث رجل يدعى كمودس (COMMODUS) أصله من ميلة وكان أحد الرجال الثلاثة بقرطة أيام اتحاد المدن.
فلما استقلت ميلة عن قرطة وجمعت اليها تينك المدينتين تولي هذا الرجل رئاسة المدن الثلاث بميلة.
بعد انحلال ذلك الاتحاد وتداخل اليد القيصرية ساءت الاحوال ونقص العمران وارتفع الامن. وما أصدق قوله تعالى:{إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} وبقيت قرطة لحصانتها محافظة على عظمتها حتى أن الوندال لم يقووا على فتحها.
وكان بها كنيسة عظيمة للمسيحيين تخرج منها قسوس كثيرون منهم دنتوس الذي أحدث في المسيحية مذهبا نسب اليه وضاد به الكنيسة الكاثوليكية وفاز عليها في جميع التراب الجزائري.