والادريسية أو المرابطية كانت كلها محاولات لتجسيم مباديء حكم وفلسفة ونظام، نادت بها مذاهب اسلامية نشات بالمشرق.
بل أن الدعوة الموحدية التي ظهرت على يد بربري أصيل هو "ابن تومرت" كانت محاولة للجمع بين ما جاء من القول بعصمة الإمام المفدي، مثلما كانت من بعض الوجوه محاولة لتطبيق بعض تعاليم الغزالي ضد التفريقات الفقهية الجامدة.
إن تحليل تناول الشيخ مبارك للتاريخ الجزائري، يكشف عن مسعى وطني واضح من أجل توظيف التاريخ في إيقاظ الشعور القومي، وفي خدمة مفهوم للوطن ومشروع للثقافة لا يمكن إلا أن يكون متناقضا مع استمرار الإستعمار.
ويمكن أن نتبين مقصد الشيخ مبارك من أول صفحة في كتابه وهي التي تتضمن كلمة الإهداء. فهو يهديه الى "الشعب الجزائري" والى "شبابه المفكر ورجاله العاملين والمخلصين" ويعلل سبب الإهداء للشعب بأن الشعوب اصبحت تعرف اليوم "أن إرادة الحاكم إنما تتقوى من جبنهم وجمودهم، وأن الإرادة الحقيقية التي بيدها رفع مستوى الأمم هي إرادة الشعوب".
وهو نفسه، عندما يناقش أطروحة بعض المؤرخين الإستعماريين الذين يريدون ربط ماضي الجزائر بأوروبا تمهيدا لفرنستها، يقول عنه أنه يريد أن (يمزق الجنس البربري كل ممزق ويفرقه شذر مذر ويوزعه على أمم أوروبية بالخصوص يركي تذهب وحدته، ويسهل على البلعوم الأوروبي ابتلاعه .. وتلك امنية يحلم بها بعض مرضى العقول من السياسيين، ولكن لن يلج الجنس في جنس آخر حتى يلج الجمل في سم الخياط" (أي انه يجعل الإدماج مستحيلا استحالة دخول الجمل في ثقب الإبرة).
وبعد أن العمل الذي قام به الشيخ مبارك الميلي في تأليفه لهذا الكتاب، بتلك الروح والإعزاز بكل الماضي قد أدى خدمة كبيرة الى المسعى الوطني العام من أجل اعطاء مضمون حي لفكرة الوطن