ولما جاء الروم وجدوا أنفسهم في ضيق مع الاسرائليين. فكان قوادهم يرهقونهم على الدخول في المسيحية ويبدلون بيعهم كنائس. وزال على الارثذوكس ما نالهم في الدور الوندالي، وأصبحوا معتزين دون سواهم من الموسويين والدنويين والاريويين.
وفي سنة (٥٣٥) انتزعت الدولة الرومية من هذه الفرق جميع أملاكها، وأعدمتها حماية الشريعة، وحجرت عليها العمل بمذاهبها، وعزلتها مما كان لها من مناصب. كل ذلك جريا خلف داعي التعصب المذهبي.
واعترف يستنيان رسميا للكنيسة الارثذوكسية بحق مراقبة المدن وادارة العمالات. فلم تقف عند حد مراقبة الولاة وأهل الوظائف السياسية، بل صارت تأمرهم، وتتداخل في جميع الشؤون الدولية سياسية كانت أو مالية أو ادارية أو حربية. فكان من الاساقفة والقسوس من يشتغلون ببناء استحكامات حربية. وصار البابا برومة يرسل أوامره للقواد والولاة. قال اغسال:" وغمرت قوة الكنيسة قوات جميع المتوظفين".
تحت هذا الاستبداد الكنسي دخل بعض الموسويين في المسيحية لمجرد منافع مادية. والمادة عند الاسرائليين قبل الدين والجنس. ولكن مدة ارتدادهم لم تطل حيث ان السلطة الرومية ادركها الضعف قريبا. فعادوا الى دينهم الذي دخل فيه بعض القبائل البربرية ايضا. ورجعت قبائل اخرى من البربر الى الوثنية.
هكذا كان الوطن الجزائري في العصر الرومي يشتمل على أديان ومذاهب كلها متعادية متنافرة. فكانت من أقوى عوامل الخراب في هذا الدور، ولها أثرها السيء في الفوضى وفقد الامن. وانها لكذلك حتى جاء الاسلام على أيدي الفاتحين من العرب. فنظم ما اختل، ووحد ما تفرق، واستقر بالقلوب الاستقرار النهائي.