واما ما كان تحت تصرف البربر فان من عوامل بؤسه تمسك الامراء باستقلالهم من غير أن يكونوا متحدين ولا ذوي نظام دولي. أما عدم اتحادهم فهو خلق قديم فيهم، وهو سبب نجاح أولي المطامع من الامم في وطنهم. وأما فقدهم النظام الدولي بعد ما كانت لهم دول قبل الميلاد فذلك أنهم بعدما تعلموا من الفينيقيين الحياة النظامية ووسائل العمران والرقي جاء الرومان فأخذوا على أنفسهم تجهيل البربر ما تعلموه. ابتدأوا بهدم استقلالهم وقتل عظمائهم، ثم حرموهم من جميع الحقوق السياسية. وكانت سياستهم سياسة تنفير فلم يقبل البربر على حضارتهم. فلم يذهبوا حتى أنسوا البربر ما أخذوه عن الفينيقيين من غير ان يعوضوهم شيئا ينفعهم في حياتهم الاجتماعية. ولما جاء الوندال وكانت وطأتهم عليهم خفيفة وهم أمة حربية لم يستفد البربر منهم غير الحياة الحربية. فعملوا للاستقلال من غير نظام. ولما جاء الروم أرادوا أن ينزعوا منهم استقلالهم. فدافعوا دونه. ووقعت بينهم حروب مبيدة. قال بيروني:"ويصعب ان يحيط مؤرخ بحروب البربر مدة الاستيلاء البيزنطي".
ولولا ان الرومان هم الذين افقدوا البربر الحياة النظامية لكانت حروبهم مع الروم عائدة عليهم بالسعادة وعلى وطنهم بالعمران والرقي. ولكنهم- وقد فقدوا كل نظام- لم يجنوا منها غير الشقاء وخراب الوطن وعموم الفوضى.
وإذا علمت ان الروم لم يعملوا فيما تحت تصرفهم الا لاشقاء أهاليه، وان أمراء البربر عاجزون عن اسعاد امتهم امكنك ان تحكم عن بينة بأن العصر الرومي كان كله جوائح نزلت بالوطن الجزائري فأنهكت الحياة الاجتماعية أيما انهاك.
قال بيروني: "القرن الرابع الذي سقطت فيه حكومة رومة