اما الضرورة فيكفي لاستحضارها نظرة في النبات والحيوان والاجتماع والعمران: فانك ترى النبات كيف يبدو عقب ماء المطر او غيره ثم يأخذ في الرقي حتى يبلغ شبابه المقدر له، وترى الحيوان يكون نطفة ثم يترقى حتى يوضع ويأخذ في النمو حتى يبلغ أشده، وترى الرجل يؤسس البيت او الملك ثم يأخذ ذلك التأسيس في الرقي حتى ينال الشرف ويحوز السيادة وينتهي الى درجة من العظمة. ثم ينشأ غيره ويزاحمه ويترقى على حساب انحطاط الاول حتى يضمحل ويحل الثاني محله. وهكذا الشأن دواليك في كل زمان ومكان، وترى مثل ذلك في العمران أيضا.
واما القرآن فقد قال تعالى- في شأن النبات-: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى}، وقال في شأن الحيوان-: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}، وقال تعالى في شأن الاجتماع- ومثله العمران-: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.
وإذا ثبت لديك ان الذهب نفسه لا مغمز فيه فلا يضيقن صدرك لبعض الجزئيات التي يقسر بعض الماديين عقلاء البشر على قبولها ويحاولون بها هدم الاديات- مثل ترقي القرد الى نوع الانسان- فان تلك الجزئيات لم تزل وهما ولن تزال خيالا فكيف يصح الحاقها بذلك المذهب الصحيح؟
وزبدة القول ان الضرورة والدين متفقان على اثبات النشوء والارتقاء في النوع الواحد: اما الارتقاء من نوع الى آخر فاقرب من تحقيقه الحمع بين النقيضين.
ولا معارضة بين دعوى ان انسان العصر الحجري كان جاهلا الى