للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن تعظيمهم لبعض الاشجار انهم يجتنبون قطعها واحتطاب ما سقط من عيدانها ويعلقون بها الخيوط رجاء ان تقضي حاجاتهم، كما يعلق احدنا باصبعه خيطا كي يذكر به ما يخشى نسيانه.

ومن تعظيمهم للجبال تقديم النذر من الاطعمة والانعام لبعض الكهوف وزيارتها زرافات ووحدانا. وتطييب رائحتها بالبخور ومياه الرياحين. وقد يتأولون ذلك بأن احد الصلحاء مر بهذا الكهف او جلس عنده. وعلاوة على كون هذا التأويل غير مبرر لفعلهم فان الصلحاء جلسوا في غير الكهوف أيضا ومشوا في السهول والبسائط.

اما تشييد القبور الضخمة للاموات واتخاذ الحرم لها فقد بالغوا فيه اكثر مما تقدم واربوا في ذلك عن كل امة حتى صاروا يشيدون القباب لا على ضريح ولا على أثر من مواقع اقدام صلحائهم. وشرح هذا المقام يوسع دائرة خروجنا عن موضوع الكلام.

وكان قدماء الجزائر يعتقدون بحياة أخرى غير الحياة الاولى، ويرون ان الميت في قبره اكمل منهم علما.

يدل على ذلك ما تقدم من ان منهم من يضع الميت في قبره جالسا ملتصقا بطنه بفخذيه ولحاه بركبتيه، يمثلون بهذا الوضع هيئة الجنين في بطن أمه. كأنه بموته ولد في عالم آخر، ولذلك يضعون معه أطعمة واشياء من الزينة. وإذا اهمهم أمر لم يهتدوا الى وجهه استشاروا الموتى من أسلافهم:

ينام أحدهم على قبر سلفه وما رآه في منامه عمل بمقتضاه في يقظته وللجزائريين اليوم حظ وافر من هذه العقيدة المباركة على الانحطاط والتقهقر.

<<  <  ج: ص:  >  >>