وهذه الاخلاق ترشد الى ان البربري محب لجنسه ووطنه مستكمل لصفات العمل لسعادتهما ودفاع الاجنبي عنها او على الاقل عدم الرضى من سلطته ولو طال امدها. وقد ذكر بيروني- وعنه اخذنا مادة هذا الفصل- ان من اخلاق البربري كونه شحيحا جلفا منقادا للخرافات ومؤثرا لها.
وهذا من هناته فان كونه شحيحا جلفا خلاف الواقع المشاهد والمتواتر والمسطر في كتب التاريخ، وسترى ما يقوله ابن خلدون عنهم من صفات الكمال، وهو رجل عرفهم وعاشرهم في اواخر ايام عزهم ودخل بجاية احدى عواصمهم.
واما انقيادهم للخرافات وايثارهم لها فهو واقع مشاهد في زمننا هذا ولكنه ليس من طبيعتهم بل من طبيعة الجهل الذي ثار منهم وبالغ في الانتقام وامدته في ذلك عوامل من الايام.
وقد كان منهم قبل اليوم عظماء في العلوم والمعارف. منهم بوغورطة الموجود قبل الميلاد، ابدى في كفاحه للرومان مقدرة فائقة في الحرب والسياسة، ومنهم يوبا الثاني الموجود قبيل الميلاد، كان من اعظم الفلاسفة وامهر المؤلفين، ومنهم القديس اوغسطين الموجود في عصر الانحطاط الروماني، كان نادرة الوجود علما وفصاحة وتقوى واخلاصا وتفانيا في خدمة دينه وجنسه وغير هؤلاء كثير قبل الاسلام منهم من قصهم علينا التاريخ ومنهم من لم يقصصهم علينا.
اما بعد الاسلام فيكفي المرتاب ان يلقي نظرة على بعض عواصمهم التي كانت من عواصم العلم الكبرى مثل تيهرت وبجاية وتلمسان هذا بالقطر الجزائري فقط. ولا اطيل بذكر المدن الثانوية بله الرجال المظام.
ودونك ما يقوله ابن خلدون عن اخلاق البربر باختصار وتصرف لفظي: واما تخلقهم بالفضائل الانسانية وتنافسهم في الخلال الحميدة