للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإمام الحرمين (١) نقله الآمدي واختاره (٢): لو علل (٣) الحكم الواحد بعلتين لاجتمع على الأثر الواحد مؤثران لكنه لا يجتمع على الأثر الواحد مؤثران، فلا يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين، وإنما قلنا لا يجتمع على الأثر مؤثران، لأن كل واحد من المؤثرين استقل بايجاد الأثر، فإن أثَّرَا فيه معًا، لزم الاستغناء بكل واحد منهما، والفرض أنه ثبت بهما، هذا خلف، وإن أثَّرا فيه متعاقبين، فهو إنما ثبت بالأول، والثاني ليس بمؤثر لعدم القابل لتأثيره، وإن لم يستقل كل واحد منهما بإيجاد الأثر، فكل واحد منهما جزء المؤثر لا المؤثر الكامل، بل هما جميعًا المؤثر، أما أحدُهما فقط؛ فلا، قلنا: إنما يمتنع اجتماع مؤثرين على أثر واحد في الأحكام العقلية لا الشرعية، لأن علل الشرع أمارات ومعرفات، فلا يمتنع أن يكون على الشيء الواحد علامتان أو علامات، ومعرفان أو معرفاتٌ، كما يُعرف الحكم الواحد بأدلة كثيرة، كما يُعرف الله سبحانه بكل جزءٍ من أجزاء العالم معرفة المؤثر بالأثر، كما قال القائل (٤):


= البحر المحيط للزركشي (٥/ ١٥٧)، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب للإيجي (٢/ ٢٢٤)، المحلى على جمع الجوامع للسبكي (٢/ ٢٤٥).
(١) الذي استقر عليه إمام الحرمين هو المنع كما ذكره ابن برهان في الوصول إلى الأصول لابن برهان (٢/ ٢٦٣) -عند ذكره للقول بالمنع-: "وهو مذهب الإمام الذي استقر عليه رأيه أخيرًا"، وأما الذي صرح به في البرهان للجويني (٢/ ٢٤٥)، فهو القول بجواز التعليل بأكثر من علة.
(٢) انظر: منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص (١٧٥)، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب للإيجي (٢/ ٢٢٤).
(٣) أي: دليل المانعين.
(٤) نسب هذا البيت أبو الفرج إلى أبي العتاهية. انظر: الأغاني للأصفهاني (٤/ ٣٥).