للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي مسلم: أنه استشار في أسرى بدر فأشار أبو بكر - رضي الله عنه -: بالفداء فأعجبه، وعمرُ - رضي الله عنه - بالقتل. فجاءَ عمر من الغد وهما يَبكيان، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أبكى للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء) (١)، فأنزل الله عز وجل {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} (٢) الآية. وأيضًا: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} (٣).

قال في الفنون: "وهو من أعظم دليل لرسالته؛ إذ لو كان من عنده سَتَر على نفسِه أو صوّبه لمصلحةٍ يدَّعِيها، فصار رتبة


(١) أخرجه مسلم من حديث طويل عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر (ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ ) فقال أبو بكر: يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ما ترى يا ابن الخطاب؟ ). قلت: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليًّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان نسيبًا لعمر فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرني من أيّ شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أبكي للذي عرض عليّ صاحبك من أخذهم الفداء لقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة - شجرة قريبة من نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: ٦٩]، فأحل الله الغنيمة لهم. صحيح مسلم (٣/ ١٣٨٣)، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر برقم (١٧٦٣).
(٢) سورة الأنفال (٦٧).
(٣) سورة التوبة (٤٣).