للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالت المعتزلة: ليست حكمًا شرعيًّا، إذ هي انتفاء الحرج، وهو معلوم بالعقل قبل الشرع، فاستمرت بعد الشرع كما كانت قبله، ولو كانت من أحكام الشرع لكان الشرع هو الذي أنشأها كالوجوب والندب (١).

قلنا: لا نسلم أن الإباحة انتفاء الحرج بل هي تخيير شرعي يلزم عنه انتفاء الحرج، وإن سلمنا أنها انتفاء الحرج لكن إن عنيتم بـ "انتفاء الحرج المستفاد من تخيير الشارع فهي شرعية كما قلنا. وإن عنيتم أنه مستفاد من حكم العقل فهو مبني على التحسين والتقبيح العقليين (٢)، وقد تقدم منع هذا الأصل.

وقولهم "لو كانت شرعية لكان الشرع هو الذي أنشأها" قلنا: كذلك نقول الشرع هو الذي أنشأها, لأن الأشياء قبل الشرع إن كانت على الحظر فلا إشكال في أن الشرع هو الذي أباح، وإن كانت على الإباحة فالإباحة العقلية انتهت إلى ورود الشرع، فلما ورد الشرع صارت شرعية فهي مثل العقلية لا نفسها؛ لأن العقل ينعزل بورود الشرع.

قوله: (وفي كونها تكليفًا خلاف) قيل الخلاف لفظي, لأن النافي وهو الأكثر يقول: التكليف طلب ما فيه كلفة، ولا كلفة


(١) انظر: المعتمد لأبي الحسين (٢/ ٣٢٣) وما بعدها وص (٤٠٣)، ومنتهى الوصول والأمل لابن الحاجب ص (٤٠).
(٢) انظر: رأي المعتزلة والجواب عليه السابقين في شرح مختصر الروضة للطوفي (١/ ق ٨٧ أ - ب).