وقال ابن عابدين في منحة الخالق على البحر الرائق (١/ ٥٤٤) إذا أتى بشيء من القرآن لا يسن التعوذ قبله إلا إذا قصد به التلاوة، وأمَّا لو أتى بالبسملة لافتتاح الكلام أو بالحمدلة لقصد الشكر لا على قصد القرآنية فلا يسن التعوذ. وقال في حاشيته على الدر المختار (٢/ ١٩١) لو أنَّ رجلًا أراد أن يشكر فيقول الحمد لله رب العالمين لا يحتاج إلى التعوذ قبله، وعلى هذا، الجنب إن أراد بذلك القراءة لم يجز أو افتتاح الكلام جاز. وانظر: الفتاوى التاتارخانية (٢/ ٥٦٧) ومراقي الفلاح شرح نور الإيضاح ص: (١٩٦) وحاشية ابن عابدين على الدر المختار (٣/ ٢١). (٢) قال القرافي في الذخيرة (١/ ٣٠٨) قال صاحب الطراز يقرأ [الجنب] الآية ونحوها على وجه التعوذ ولا يعد قارئًا ولا له ثواب القراءة … والمتعوذ لا يعد قارئًا وكذلك المبسمل والحامد. وقال خليل في التوضيح (١/ ٢١٨) لا يباح ذلك [للجنب] على معنى القراءة، بل هو على معنى التعوذ أو الرقى أو الاستدلال ونحوه. وقال العدوي في حاشيته على شرح خليل للخرشي (١/ ٣٤١) … والاستدلال كآية الدين لمن احتاج إلى الكلام في الدين … ويترتب على كونه لا يعد قارئًا أنَّه لا يطلب منه أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لأجل القراءة. وقال الكشناوي في أسهل المدارك (١/ ٧٠) (وله تلاوة الآيات) أي اليسيرة للتعوذ والرقى، أو الاستدلال، كأن يقرأ آية أو آيتين كآية الكرسي والمعوذتين، أو كالآيتين اللتين في آخر سورة البقرة وهي ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ [البقرة: ٢٨٥] إلخ وكل ذلك يجوز للجنب قراءتها. وانظر: الشرح الصغير (١/ ١٢٢) وشرح مختصر خليل للخرشي (١/ ٣٤١) ومواهب الجليل (١/ ٤٦٣) ومنح الجليل (١/ ٧٨). (٣) قال النووي في المجموع (٢/ ١٦٢) لو كان يكرر في كتاب فقه أو غيره فيه احتجاج بآية حرم عليه قراءتها ذكره القاضي حسين في الفتاوى لأنَّه يقصد القرآن للاحتجاج: قال أصحابنا ولو قال لإنسان خذ الكتاب بقوة ولم يقصد به القرآن جاز وكذا ما أشبهه ويجوز للجنب والحائض والنفساء في معناه أن تقول عند المصيبة (إنا لله وإنا إليه راجعون) إذا لم تقصد القرآن: قال أصحابنا الخراسانيون ويجوز عند ركوب الدابة أن يقول (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين). وقال الشربيني في مغني المحتاج (١/ ١١٨) (وتحل) لجنب (أذكاره) وغيرها كمواعظه وأخباره وأحكامه (لا بقصد قرآن) … فإن قصد القرآن وحده أو مع الذكر حرم، وإن أطلق فلا كما نبه عليه في الدقائق لعدم الإخلال بحرمته؛ لأنَّه لا يكون قرآنًا إلا بالقصد، قاله المصنف وغيره. وظاهر أنَّ ذلك جارٍ فيما يوجد نظمه في غير القرآن .. كالبسملة والحمدلة، وما لا يوجد نظمه إلا فيه كسورة الإخلاص وآية الكرسي وهو كذلك … بل أفتى شيخي [الرملي] بأنَّه لو قرأ القرآن جميعه لا بقصد القرآن جاز. وقال البكري في حاشية إعانة الطالبين (١/ ١٢٠) إن قصد القرآن وحده أو قصده مع غيره كالذكر ونحوه فتحرم [القراءة على الجنب] فيهما. وإن قصد الذكر وحده أو الدعاء أو التبرك أو التحفظ أو أطلق فلا تحرم، لأنَّه عند وجود قرينة لا يكون قرآنًا إلا بالقصد ولو بما لا يوجد نظمه في غير القرآن، كسورة الإخلاص. وانظر: أسنى المطالب (١/ ٦٧) وتحرير الفتاوى (١/ ١٣٦) ونهاية المحتاج (١/ ٢٢١) وتحفة المحتاج (١/ ٩٤). قال البيهقي في تفسير الإمام الشافعي (٢/ ٦٦٩) أخبرنا أبو عبد الحافظ، أخبرني أبو عبد الله الزبير بن عبد الواحد الحافظ الاسترابادي، قال سمعت أبا سعيد محمد بن عقيل الفاريابي، يقول: قال المزني والربيع -رحمهما الله تعالى- -: «كنا يومًا عند الشافعي، إذ جاء شيخ، فقال له: أسأل؟ قال الشافعي: سل، قال: (إيش) الحجة في دين الله؟ فقال الشافعي: كتاب الله. قال: وماذا؟ قال: سنة رسول الله ﷺ. قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة. قال: ومن أين قلت اتفاق الأمة، من كتاب الله؛ فتدبر الشافعي ﵀ ساعة. فقال الشيخ: أجلتك ثلاثة أيام. فتغير لون الشافعي، ثم إنَّه ذهب فلم يخرج أيامًا قال: فخرج من البيت في اليوم الثالث، فلم يكن بأسرع أن جاء الشيخ فسلم فجلس، فقال حاجتي؟ فقال الشافعي -رحمه الله تعالى-: نعم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله ﷿: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ١١٥] لا يصليه جهنم على خلاف سبيل المؤمن إلا وهو فرض. قال: فقال: صدقت. وقام وذهب. قال الشافعي ﵀: قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات، حتى وقفت عليه. قال السبكي في طبقات الشافعية (٢/ ٢٤٥) إن ثبتت هذه الحكاية فيمكن أن يكون هذا الشيخ الخضر ﵇ وقد فهمه الشافعى حين أجله واستمع له وأصغى لإغلاظه في القول واعتمد إشارته وسند هذه الحكاية صحيح لا غبار عليه. تنبيه: قول للشافعية ما لا يوجد نظمه إلا في القرآن فيعطى حكم القرآن مطلقًا. قال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب (١/ ٦٧) ما لا يوجد نظمه إلا في القرآن كسورة الإخلاص وآية الكرسي يمنع منه وإن لم يقصد به القراءة وبذلك صرح الشيخ أبو علي والأستاذ أبو طاهر والإمام كما حكاه عنهم الزركشي ثم قال ولا بأس به. وانظر: تحفة المحتاج (١/ ٩٤) ومغني المحتاج (١/ ١١٨) ونهاية المحتاج (١/ ٢٢١).