للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الثاني: ضابط الكثرة والقلة في الحركة]

تقدم الإجماع على أنَّ الحركة الكثيرة المتوالية من غير ضرورة تفسد الصلاة وأنَّ الحركة القليلة لا تفسد الصلاة قال الرافعي: لا خلاف أنَّه يفرق فيه بين القليل والكثير (١).

وليس في المسألة نص صريح يرفع الخلاف قال ابن عبد البر: ليس عن العلماء فيه حد محدود ولا سنة ثابتة وإنَّما هو الاجتهاد (٢) وقال ابن بطال: لم يحدوا القليل، ولا الكثير، وإنَّما هو اجتهاد واحتياط (٣).

قال أبو عبد الرحمن: والأمر كما ذكر الإمامان ليس فيه سنة ثابتة عن النبي وإنَّما هو اجتهاد واختلف المجتهدون من أهل العلم في تحديد القلة والكثرة على أقوال:

القول الأول: يفوض تحديد القلة والكثرة إلى رأي المبتلى به: قال به بعض الأحناف (٤).

الرد: الناس مختلفون فمنهم المفَرِّط ومنهم المُفْرِط فلا ينضبط الحكم.


(١) العزيز (٢/ ٥٢).
تنبيه: قال ابن حزم في المحلى (٣/ ٩٤) كل من فرق بين قليل العمل وكثيره فلا سبيل له إلى دليل على ذلك، ولا بد له ضرورة من أحد أمرين لا ثالث لهما: إمَّا أن يحد في ذلك برأيه حدًا فاسدًا ليس هو أولى به من غيره بغير ذلك التحديد، فيحصل على التحكم بالباطل، وأن يشرع في الدين ما لم يأذن به الله، وإمَّا أن لا يحد في ذلك حدًا، فيحصل على أقبح الحيرة في أهم أعمال دينه، وعلى أن لا يدري ما تبطل به صلاته مما لا تبطل به، وهذا هو الجهل المتعوذ بالله منه؟.
وهذا تماشيًا مع مذهبه في عدم اعتبار القياس وإن كان يرى جواز بعض الحركات التي لم يرد فيها نص كالتروح من الحر في الصلاة لدخولها في عموم نصوص رفع الحرج ويرى وجوب دفع ما يؤذيه ليتفرغ لصلاته. انظر: المحلى (٣/ ٨٤).
فأهل العلم لم يعتدوا بخلافه في مسألة الحركة لشذوذه ونقلوا الإجماع والله أعلم.
(٢) التمهيد (٢٠/ ٩٩).
(٣) شرح صحيح البخاري (٣/ ٢٠٠).
(٤) انظر: المحيط البرهاني (١/ ٣٩٥).

<<  <   >  >>