للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الرسالة التى بقيت لنا على الأقل في تفسير محمد بن جرير الطبرى وتحوى نحوا من ألف شرح، يجوز أن نعدها أول آثار علم المفردات في العصر الاسلامى.

(انظر تاريخ التراث ١/ ٢٦ و ٢٧).

أما المجموعة الثانية من تفسير معانى الألفاظ لعبد الله بن العباس التى تعرف في الكتب باسم «مسائل نافع بن الأزرق»، فهى عبارة عن أبيات من الشعر القديم، يستشهد بها عبد الله بن العباس على مائتى كلمة من القرآن، قدّمها له زعيم الخوارج نافع بن الأزرق ليفسرها. وللأسف لا تفصح لنا المصادر عن تفاصيل هذه الواقعة، ومن ثمة فإننا نعتمد على تصورنا، وبحسبه قدّم نافع بن الأزرق أسئلته مدونة إلى عبد الله بن العباس الذى احتاج إلى بعض الوقت للإجابة عنها، ولعله رجع أيضا في ذلك إلى تآليف بعض معاصريه. وموقف جولد تسيهر من هذه المسألة- وقد نعت هذا الخبر بأنه أسطورة مدرسية (٥٠) - مرتبط/ بالتصور السائد في عصره، وبحسبه لم تبدأ علوم اللغة العربية إلا في زمان متأخر. أمّا بالنسبة لمؤلف تاريخ التراث العربى فيقتصر السؤال على ما إذا كان القول بمسألة الأصالة يوافق ابتداء علوم اللغة العربية في زمان متقدم.

ومن رأيى أنه لا بدّ من الإجابة عنه بالإثبات، وإن رواية واحد من أعلام اللغويين ومتقدميهم كأبى عبيدة (عاش من نحو سنة ١١٠/ ٧٢٨ حتى ٢١٠/ ٨٢٥) لهذه الأبيات (انظر تاريخ التراث ١/ ٢٧) لمّا يدعونا إلى الاحتراز من إنكار أصالتها.

وقد تابع البحث فى مفردات القرآن تلامذة عبد الله بن العباس، نحو مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة (٥١) والضحاك، ونجم عن ذلك فيما بعد نوعمن المؤلفات هو «غريب القرآن»، انفصل به التفسير اللغوى عن التفسير المتعلق بالمسائل الدينية.

وثمة أسباب كثيرة تؤيد احتمال أن البحث في المفردات لدوافع دنيوية قد بدأ تقريبا في ذلك العهد المتقدم الذى بدأ فيه تفسير القرآن. وفضلا عن كتب «الأمثال» التى أومأنا إليها آنفا، فقد شجّع الاشتغال المبكر بجمع الشعر وشيوع الاهتمام بالتاريخ


(٥٠) المرجع المذكور، ص ٧٠.
(٥١) نشر حاتم صالح الضّامن كتابه «الناسخ والمنسوخ في كتاب الله» (انظر تاريخ التراث العربى ١/ ٣١) في مجلة: المورد ٩، ٤/ ١٩٨٠/ ٤٧٩ - ٥٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>