الثلاثاء، فقال لي بعد جهد جهيد: أيها الحاكم غير مودعَّ، فإني راحل، فكان يقاسي لما احتضر من الجهد ما يقاسيه، وأنا أقول لأصحابنا: إنه يؤخذ ليلة الجمعة، فتوفي -رحمه الله- وقت الصبح من يوم الجمعة، الرابع والعشرين من رجب سنة ثمانين وثلاثمائة، وغسله أبو سعيد الزاهد، وقد سمعته في مرضه الذي مات فيه يذكر مولده سنة ست عشرة وثلاثمائة، فمات وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.
وعن هذا السِّنِّ مات الأستاذ، وأبو علي الحافظ، وأبو القاسم ابن المؤمل، وأبو بكر ابن جَعْفَر المزكِي، وجماعة من مشايخنا -رحمهم الله-.
وقال ابن الصلاح في "طبقاته": الفقيه الأديب الزاهد، كان متفننًا حسن الافتنان، مصنفًا كثير التصانيف. وقال الذهبي في "النبلاء": العلامة الزاهد، تفقه وبرع، وأتقن علم الجدل والكلام والنظر، وأخذ النحو عن أبي عمرو الزاهد، ودخل إلى اليمن، وتخرج به الأصحاب، وكان عابدًا متألهًا واعظًا، مجاب الدعوة، كثير التصانيف، منقبضًا عن أبناء الدنيا، بالغ في تقريظه الحاكم. وقال في "تاريخه": كان زاهدًا عابدًا كبير الشأن، يخرج أئمة، وكان من كبار الشافعية. وقال ابن السبكي في "طبقاته": الإِمام علمًا ودينًا، ذو الدعوة المجابة. وقال ابن الملقن: صاحب التصانيف الكثيرة، ترجم له الحاكم فأبلغ.
قال مقيده -عفا الله عنه-: ومن طريف ما وقع لهذا الفقيه الإِمام أثناء رحلته إلى اليمن ما قاله الحاكم في "تاريخه": ترجمته أبي العباس إسماعيل بن عبد الله الميكالي: سمعت أبا منصور الفقيه يقول: كنت باليمن سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة فبينا أنا ذات يوم أسير بمدينة عدن،