بنفسه إذ كان يحفظ المائة بيت إذا أنشدتْ مرة، وينشدها من أولها إلى آخرها مقلوبة، فأنكر على الناس قولهم: فلان الحافظ في الحديث، ثم قال: وحفظ الحديث مما يُذكر؟! فسمع به الحاكم ابن البيع، فوجه إليه بجزء، وأجَّل له جُمعة في حفظه، فردَّ إليه الجزء بعد الجمعة وقال: من يحفظ هذا؟ محمَّد بن فلان، وجعفر بن فلان، عن فلان؟ أسامي مختلفة، وألفاظ متباينة؟ فقال له الحاكم: فاعرف نفسك، واعلم أن هذا الحفظ أصعب مما أنت فيه. (١) وهذه القصة إسنادها صحيح، رجالها كلهم ثقات. وهناك قصة منامية ذكرها الحافظ ابن عساكر في "تبيين كذب المفتري" ص (٢٣٠) يحسن إيرادها هنا، قال أبو حازم العبدوي: وحكى القاصي أبو بكر الحيري أن شيخًا من الصالحين حكى أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام قال: فقلت له يا رسول الله بلغني أنك قلت: ولدت في زمن الملك العادل، وإني سألت الحاكم أبا عبد الله فقال: هذا كذب، ولم يقله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي: صدق أبو عبد الله.
** المآخذ التي أخذت عليه:
بعد عرض ما تقدم نقله عن الأئمة المعتبرين من بيان ثقته وإمامته، وإذعانهم له بالفضل، واعترافهم له بالمزية على من تقدمه، وإتعابه من بعده، فإنني سأتعرض في هذا المبحث لكل مأخذ وقعت عليه في هذا الإِمام الجبل، فأقول مستعينًا بالله -عَزَّ وَجَلَّ-: لقد انتقد هذا الإِمام بعدة انتقادات منها: