ذلك الجزء ثم يقرأ عليه بعده ما قصد له، وكان جماعة من أهل الأدب يطعنون على أبي عمر ولا يوثقونه في علم اللغة، حتى قال لي عبيد الله بن أبي الفتح: يقال إن أبا عمر لو كان طار طائر لقال: حدثنا ثعلب، عن ابن الأعرابي، ويذكر في معنى ذلك شيئًا، فأما الحديث فرأينا جميع شيوخنا يوثقونه فيه ويصدقونه. قال الحافظ في "اللسان": قلت رأيت "الجزء" الذي جمعه في فضائل معاوية فيه أشياء كثيرة موضوعة، والآفة فيها من غيره. وقال أبو الحسن بن المرزبان: كان ابن ماسي من دار كعب ينفذ إلى أبي عمر الزاهد وقتًا بعد وقت كفايته لما ينفق على نفسه، فقطع ذلك عنه مدة لعذر، ثم أنفذ إليه بعد ذلك جملة ما كان في رسمه، وكتب عليه رقعة يعتذر إليه من تأخر ذلك عنه، فرده وأمر من بين يديه أن يكتب على ظهر رقعته:
أكرمتنا فملكتنا ... وتركتنا فأرحتنا
قال الذهبي: قلت هو كما قال أبو عمر، لكنه لم يجمل في الرد، فإن كان قد ملكه بإحسانه القديم فالتملك بحاله، وجبر التأخير بمجيئه جملة وباعتذاره، ولو أنه قال: وتركتنا فأعتقتنا، لكان أليق. وكان أبو عمر يقول: ترك قضاء حقوق الإخوان مذلة، وفي قضاء حقوقهم رفعة، فاحمدوا الله على ذلك، وسارعوا في قضاء حوائجهم ومسارهم، تكافؤوا عليه. وقد كانت صنعة أبي عمر التطريز فنسب إليها.
وقال القفطي في "إنباه الرواة": فاضل كامل، حافظ اللغة، روى الكثير عن الأئمة الإثبات، وروى عنه الجم الغفير، وكان اشتغاله بالعلوم واكتسابها قد منعه من اكتساب الرزق والتحيل له، فلم يزل مضيقًا عليه،