قد ألقي إليه ما كان جرى بينك وبين أبي علي الحافظ في سماعك من محمَّد بن أحمد بن الحسن بن خراش، فلو أذنت في حمله إلى ها هنا وأمليت تلك الأحاديث من أصْلك، فشكرني على قولي، وقال: وكرامة، فحملت أبا عبد الله إليه، ومعه جماعة من أهل الحديث، فأخرج كتابه بخط يده الأصل العتيق المؤرّخ، وأخرج أصل أخيه أبي الحسن بخطه الذي كان أبو علي يقول: إن المجلس إنما سمعه معي ومع أبي بكر بن الجعابي أبو الحسن قبل ورود أبي أحمد بغداد، فأمله علينا وتأمل أبو عبد الله، فلما خرجنا قال لي أبو عبد الله: والله لو عرض هذا الأصل على أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني لرضياه، هذا أو نحوه. توفي أبو أحمد وأنا غائب يوم الخميس الرابع والعشرين من شهر ربيع الأولى سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، وهوابن ثلاث وتسعين سنة، وصلى عليه الرئيس أبو الفضل المحمي في ميدان الحسين بن معاذ، وخرج الأمير أبو الحسن للصلاة عليه، ودفن في داره في موضع كتبه وجلوسه للتصنيف، وقد كان أبو أحمد كف قبل ذلك بعشرين شهرًا وتغير حفظه، ولم يختلط قط. وسمعت أحمد ابن إبراهيم الزاهد المزكي يقول: رأيت أبا أحمد الحافظ في المنام كأنه في موضع عالي مرتفع من الأرض فقلت: ما ينتظر الحاكم؟ قال مشايخ لنا قد تقدموا وأنا أنتظرهم، قال: فلم ألبث إلا ساعة حتى رأيت شيخًا قد أقبل، فقلت: مَنْ هذا؟ قال: أبو حامد بن الشرقي. وسمعت إسماعيل بن إبراهيم الفقيه يقول: رأيت أبا أحمد الحافظ في المنام، فقلت: أي الفِرَق أكثر أو أسرع نجاة عندكم؟ فأشار إليّ بأصبعه السبابة فقال: أنتم.