ثم توفي سنة ١١٥٩ هـ فحدث بعده اضطرابات شديدة ونهب من قوة الجيش الذي كان قد أسسه، وتدخل الجيش في شئون الدولة حتى عام ١١٧١ هـ، ثم تولى المولى محمد بن عبدالله بعد وفاة والده فحاول إصلاح الحالة الاقتصادية، واستطاع القضاء على مثيري الفتنة واهتم بالثغور والجيش والأسطول المغربي اهتماما عظيما، واستطاع مجابهة الأساطيل الأوربية وهزيمتها وتخليص بعض الثغور، وعقد مع الدول الأوربية والولايات المتحدة معاهدات تجارية وكذا مع الدانمرك والسويد، ولم يكن حاكما سياسيا وقائدا حربيا فحسب لكنه اشتهر بحبه للعلم والعلماء، فقد كان يقربهم من مجلسه، وطلب من المشرق الكثير من كتب الحديث التي لم تكن بالمغرب، وكان يجلس بعد صلاة الجمعة في مقصورة الجامع بمراكش مع الفقهاء والعلماء للمذاكرة ونهى طلبة العلم عن الاشتغال بالمختصرات دون أمهات الكتب، وطالب بالرجوع إلى الكتاب والسنة في الأحكام، وأوقف الكثير على الحرمين وطلاب العلم قام بتحبيس الكتب العلمية كما اهتم بالمساجد والمدارس وغيرها، وبعد وفاة المولى محمد تولى ابنه المولى يزيد سنة ١٢٠٤ هـ، الذي خلع القبائل بيعته وبايعوا أخاه هشام فتقاتلا وقتل المولى يزيد، وتفرقت الكلمة بالمغرب على أبناء المولى محمد، حتى غلب نفوذ المولى سليمان بن محمد وتمت له البيعة العامة سنة ١٢٠٦ هـ، وكان قد بايعه أهل فاس وأعمالها، وكان مشتغلا بالتقوى والعلم ولم تتم بيعته بالطعن والقتل وإنما بضعف إخوته، وكان مائلا للتسامح والتقشف في الحياة والزهد في الدنيا ومنها الحكم، نكما كان يحيي ليالي رمضان بمشايخ القراء وأعيان العلماء ينتقيهم لسرد الحديث وتفهمه، ويشاركهم بغزارة علمه، ويعظم العلماء ويرفع مقامهم ويجري عليهم الأرزاق، حتى تنافس الناس في أيامه على اقتناء العلم لاعتزاز أهله، واهتم كذلك بالعمران وسلك سياسة المسالمة مع الدول المجاورة، وكان متفقا في وجهة النظر مع الدعوة
(١) انظر: روضة التعريف بمفاخر مولاي إسماعيل بن الشريف ص: ٤٧، ٥٨، ٥٩، ٦٠، الاستقصا ٧/ ٥٨ - ٧٢.