للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخرج عقبة بن نافع الفهري سنة ست وأربعين، ومعه بسر بن أرطأة، وشريك ابن سمي المرادي، فأقبل حتى نزل بمغمداش من سرت - وكان توجه بسر إليها سنة ست وعشرين - فأدركه الشتاء، وكان مضعفا وبلغه أن أهل ودان قد نقضوا عهدهم، ومنعوا ما كان بسر بن أبي أرطأة فرض عليهم - وكان عمرو بن العاص قد بعث إليها بسرا قبل ذلك، وهو محاصر لأهل أطرابلس فافتتحها - فخلف عقبة بن نافع جيشه هنالك، واستخلف عليهم عمر بن علي القرشي، وزهير بن قيس البلوي، ثم سار بنفسه وبمن خلف معه أربعمائة فارس، وأربعمائة بعير، وثمانمائة قربة، حتى قدم ودان فافتتحها، وأخذ ملكهم فجدع أذنه فقال: لم فعلت هذا بي وقد عاهدتني؛ فقال عقبة: فعلت هذا بك أدبا لك إذا مسست أذنك ذكرته فلم تحارب العرب، واستخرج منهم ما كان بسر فرضه عليهم ثلاثمائة وستين رأسا، ثم سألهم عقبة: هل من ورائكم أحد؟ فقيل له جرمه وهي مدينة فزان العظمى فسار إليها ثماني ليال من ودان، فلما دنا منها أرسل فدعاهم إلى الإسلام، فأجابوا.

فنزل منها على ستة أميال، وخرج ملكهم يريد عقبة، وأرسل عقبة خيلا، فحالت بين ملكهم وبين موكبه، فأمشوه راجلا حتى أتى عقبة، وقد لغب وكان ناعما فجعل يبصق الدم فقال له: لم فعلت هذا بي وقد أتيتك طائعا؟ فقال عقبة أدبا لك إذا ذكرته لم تحارب العرب، وفرض عليه ثلاثمائة عبد وستين عبدا، ووجه عقبة الرحل من يومه إلى المشرق، ثم مضى على جهته من فوره ذلك إلى قصور فزان فافتتحها قصرا قصرا، حتى انتهى إلى أقصاها، فسألهم هل من ورائكم أحد؟ قالوا نعم: أهل خاوار وهو قصر عظيم على رأس المفازة في وعورة على ظهر جبل، وهو قصبة كوار فسار إليهم خمسة عشر ليلة، فلما انتهى تحصنوا فحاصرهم شهرا، فلم يستطع لهم شيئا فمضى أمامه على قصوركورا فافتتحها، حتى انتهى إلى أقصاها وفيه ملكها فأخذه فقطع أصبعه، فقال: لم فعلت هذا بي؟ قال: أدبا لك إذا أنت نظرت إلى اصبعك لم تحارب العرب، وفرض عليه ثلاثمائة عبد وستين عبدا، فسألهم: هل من ورائكم أحد؟ فقال الدليل: ليس عندي بذلك معرفة ولادلالة، فانصرف عقبة راجعا.

فمر بقصر خاوار، فلم يعرض له ولم ينزل بهم، وسار ثلاثة أيام، فأمنوا وفتحوا مدينتهم، وأقام عقبة بماء اسمه

<<  <  ج: ص:  >  >>