للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ ذاك ملكة البربر، وقد غلبت على جل إفريقية فلقيها على نهر يسمى نهر البلاء، فاقتتلوا قتالا شديدا فهزمته، وقتلت من أصحابه وأسرت منهم ثمانين رجلا، وأفلت حسان ونفذ من مكانه إلى أنطابلس فنزل قصورا من حيز برقة فسميت قصور حسان، واستخلف على إفريقية أبا صالح، وقامت الكاهنة بتخريب إفريقية ظنا منها أن ذلك هو غاية مطلب المسلمين من إفريقية، وقد أثار عملها نقمة كثير من سكان تلك المدن فاستجاروا بالمسلمين (١).

وكانت أنطابلس ولوبيا ومراقية إلى حد أجدابية من عمل حسان، فأحسنت الكاهنة أسارى من أسرته من أصحابه إلى أن سار إليها حسان ومن معه في جيش لم يدخل إفريقية مثله قط، فلقي الكاهنة في أصل جبل فقتلت وعامة من معها، فسميت بئر الكاهنة. وطلب الباقون الأمان، فاشرط عليهم حسان أن يعطوه من قبائلهم اثني عشر ألفا يجاهدون مع العرب، فأجابوه؛ وأسلموا على يديه، وبذلك انكسرت شوكة الروم والبربر بإفريقية نهائيا (٢).

ثم انصرف حسان فنزل موضع قيروان إفريقية، وبنى مسجد جماعتها ودون الدواوين، واتجه إلى ناحية قرطاجنة، فبنى مدينة تونس، وأنشأ بها دارا لصناعة السفن، وحفر إليها البحر فأصبحت ميناء هاما، وبنى جامع الزيتونة، ووضع الخراج على عجم إفريقية، وعلى من أقام معهم على النصرانية من البربر، وعامتهم من البرانس إلا قليلاً من البتر، وأقام حسان بموضعه حتى استقامت له البلاد، ثم توجه إلى عبد الملك بغنائمه في جمادى الآخرة سنة ست وسبعين، وولى على الصدقات حنشا الصنعاني، وبذلك تمهدت إفريقية وأصبحت دار إسلام وحسنت طاعة أهلها، وأقام بها حسان لايغزو أحدا ولاينازعه أحد لأن جميع من بها إما مسلم مطيع، أوكافر خاضع مستكين، ووجه حسان عناية كاملة لنشر الدين الإسلامي واللغة العربية، فدخل البربر في دين الله أفواجا، خاصة وأن حسانا كان إلى جانب ذلك يقسم الفيء والأرض بينهم واستمر حسان في تركيز مباديء الإسلام لدى أهل إفريقية وإعادة تعمير ماخربته الكاهنة


(١) انظر فتوح مصر وأخبارها ص: ١٣٦، البيان ١/ ٣٥، المعالم ١/ ٦١ - ٦٤، الاستقصا ١/ ٩٣، حسن البيان ١٥٨، الرياض ١/ ٥٣.
(٢) انظر فتوح مصر وأخبارها ص: ١٣٦، البيان المغرب ١/ ٣٨، تاريخ ابن خلدون ٤/ ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>