للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أسد بن الفرات في جامع عقبة.

ثم ظهر في القيروان على يد يحيى بن سلام ت ٢٠٠ هـ أول تفسير كامل للقرآن عرف حتى الآن.

وقد حفظت كتب الطبقات بعض دروس أسد بن الفرات في التفسير، والتي ظهرت فيها صلابة الرجل ورده على أهل الأهواء وخاصة في مسألة رؤية الله وخلق القرآن فعن ابن الحداد قال: حدثت عن أسد أن أصحابه كانوا يقرأون عليه يوما في تفسير المسيب بن شريك إلى أن قرأ القارئ {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} (١) وكان سليمان بن حفص جالسًا بين يديه فقال له: ياأبا عبدالله! من الانتظار؟ فقال: وكان إلى جانب أسد نعل غليظ، فأخذ أسد بتلابيبه - وكان أيدا - وأخذ بيده الأخرى نعله وقال: أي والله يازنديق لتقولنها أو لأبيضن بها عينك! فقال: نعم، ننظره. (٢)

وقد ذكر أبو العرب في مسألة خلق القرآن أن داود بن يحيى رأى أسد بن الفرات يعرض التفسير فتلا هذه الآية {فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لاإله إلا أنا فاعبدني} (٣) فقال عند ذلك أسد: ويح لأهل البدع هلكت هوالكهم، يزعمون أن الله جل وعز خلق كلامًا يقول ذلك الكلام المخلوق {أنا الله لاإله إلا أنا}. (٤)

وبهذا كانت دروس التفسير شائعة في حلقات التعليم (٥) بإفريقية على أيدي أبنائها الذين أسهموا في نشر العلوم الإسلامية، وأصبحت القيروان عاصمة العلم بالمغرب الإسلامي يفد عليها الطلبة من الأندلس والمغربين الأقصى والأوسط، حتى انتهت حضارتها وأصبحت أثرا بعد عين عقب نهب أعراب بني هلال وبني سليم لها وانتقل مشعل الحضارة للمهدية وتونس الحفصية كما سبق ذكره في التمهيد.


(١) القيامة: ٢٢، ٢٣.
(٢) انظر طبقات علماء إفريقية ص: ٢١٩، رياض النفوس ١/ ١٨٢. وسليمان بن حفص الفراء هذا الذي عنفه أسد هو رأس المعتزلة بالقيروان على عهده، وكان يحضر دروسه ليحاول بث الفتنة ونشر نحلته المتمثلة في إنكار رؤية الله يوم القيامة وفي القول بخلق القرآن.
(٣) طه: ١٣ - ١٤.
(٤) الطبقات ص: ٨٢.
(٥) ذكر حسن حسني عبد الوهاب أن الحلق بجامع عقبة بالقيروان كانت مكتظة بالطلبة من سائر أنحاء إفريقية والمغرب والأندلس وحتى من السودان الغربي. ورقات ١/ ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>