للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شاهدوا بأعينهم الفتن التي أدى إليها التأويل والبعد عن النصوص، ولذلك ماإن أدخل علي بن زياد (ت ٣٨١ هـ) الموطأ إلى إفريقية وفسر لهم قول مالك ولم يكونوا بعرفونه، حتى أقبلوا عليه إقبالا منقطع النظير، لأنهم وجدوا فيه ضالتهم المنشودة لجمعه بين البساطة والأصالة، واعتماده على الحديث فإن صاحب هذا المذهب يدرس في مدينة رسول الله ص:، ويلتزم النص من الكتاب والسنة، ولايأخذ إلا عن الثقات، وبرع في السنة حتى سمي أمير المؤمنين في الحديث، وهو إلى جانب ذلك شديد الورع لايفتي إلا بحذر شديد وينفر من الرأي والتأويل. (١)

ويرجع سبب اختيار الأفارقة لمذهب مالك على غيره إلى اعتماده على الحديث وتقدمه على غيره من المذاهب التي سلكت نفس المنهج فقد كانوا متعطشين للوصول إلى المذهب الذي تتمثل السنة فيه، وقد وجدوا ذلك في مذهب مالك المبني أساسا على حديث أهل الحجاز، وهم الصفوة والكثرة من الصحابة والتابعين، كما أشار الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب إلى أن السبب في ميل الأفارقة إلى مذهب مالك هو اتحاد سندهم وسند مدرسة مالك، حيث ذكر أن رواية الأفارقة للحديث أي قبل نشأة المذاهب، أكثر ما كانت بطريق المدنيين وسندهم. (٢)

وهناك أمر آخر يجدر التنبيه عليه، وبه يكتمل هذا التعليل، وهو التقدم الزمني للمذهب المالكي على غيره من المذاهب الأخرى المشتهرة بالاعتماد على الحديث، وخاصة مذهب الإمام الشافعي ومذهب الإمام أحمد، فكان الخيار أمام الأفارقة محصورا في المذهبين الحنفي والمالكي، فتجنبوا الأول لاشتهاره بالميل إلى الرأي، الذي كان سببا في الفتن التي عاشوها كما تقدم، وأقبلوا على الثاني، لاعتماده على الحديث وموافقة ذلك مافي نفوسهم من التعطش إلى السنة.


(١) انظر أعلام الفكر الإسلامي١/ ٣٨٣، الرياض ١/ ٤٣٢، مقدمة الرياض ص: ١١
فما بعدها، جذوة المقتبس ٣٠٦.
(٢) انظر الإمام المازري ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>