للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويأتي في الدرجة الثانية من التعليل ماذهب إليه ابن خلدون (١) من أن رحلة أهل إفريقية كانت غالبا إلى الحجاز فاقتصروا على الأخذ عن علماء المدينة، وكذلك لمناسبة البداوة بين الشعبين.

وعلى يد علي بن زياد تخرجت الطبقة الأولى من علماء المالكية بالقيروان (٢)، مثل أسد بن الفرات، والبهلول بن راشد، وعبدالله بن غانم، وغيرهم ثم تسارع أهل هذه الطبقة للأخذ مباشرة عن الإمام مالك، حتى زاد الرواة عنه من أهل القيروان عن ثلاثين تلميذا (٣)، وبذلك كثر رواة الموطأ بالقيروان، وانتشر علم مالك، فأقبل عليه.

ثم جاء الإمام سحنون فجمع في مدونته علم مالك وفقهه، واستشهد لمسائلها بالآثار، فأصبحت عمدة المذهب، والكتاب الثاني بعد الموطأ، وقد أخذها عنه أهل إفريقية والمغرب والأندلس، حتى بلغ تلاميذه نحو السبعمائة (٤) نشروا علم مالك في هذه البلاد، قال الخشني: ثم قدم سحنون بذلك المذهب، وجمع مع ذلك فضل الدين والعقل والورع والعفاف والانقباض، فبارك الله تعالى فيه للمسلمين، فمالت إليه الوجوه وأحبته القلوب وصار زمانه كأنه مبتدأ، وقد محا ماقبله فكان سراج القيروان (٥)، وأقبل تلاميذ سحنون ومن بعدهم على التصنيف في المذهب واهتموا بالمدونة خاصة، مابين شارح ومختصر ومعلق ثم جاء ابن أبي زيد القيرواني الملقب بمالك الصغير، وعلى يديه استقر المذهب فهو الذي لخص المذهب وضم نشره، وذب عنه، وملأت البلاد تآليفه (٦) واستمر المذهب في نمو حتى صار في مطلع القرن الخامس هو المذهب الوحيد بإفريقية، وهكذا أصبحت القيروان هي المركز الثاني للمذهب المالكي بعد المدينة المنورة.

وبعد رحيل العبيديين لم يزل أمر السنة يقوى والمعز يعد العدة للتخلص من سلطانهم حتى كانت سنة ٤٣٥ هـ وفيها قطع دعوتهم، ولعنهم على المنابر،


(١) المقدمة ٤٤٩.
(٢) انظر موطأ ابن زياد ٣١.
(٣) انظر المعالم ٢/ ٣٨.
(٤) انظر الشجرة ١/ ٦٩.
(٥) المعالم ٢/ ٨٣.
(٦) الديباج ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>