للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودخلت "من" في قوله: {من حول العرش} لأنه ظرف، والفعل يتعدى إلى الظرف بحرف وبغير حرف، ومثله قوله {وإلى الذين من قبلك} (١)، وقال بعض البصريين: دخلت من في الموضعين توكيدًا (٢).

كما بين مكي إعراب الباء في باسم الله فقال: والباء متعلقة بفعل مضارع، والمعنى أبدأ باسم الله، فإذا اختلفت الأفعال التي نريد أن يسمى الله عليها، أضمرت لكل معنى فعلاً يشاكله، فإذا أردت القيام فقلت: باسم الله؛ أضمرت: أقوم باسم الله، وإذا أردت القعود؛ قدرت: أقعد باسم الله، وكذلك الركوب وشبهه ... الخ.

وانتقل من بيان معنى الحروف، إلى تقرير قاعدة نحوية تتعلق بعمل حروف الجر، فقال: وإنما سميت الباء، ومن، وعن، وشبهها بحروف الجر، لأنها تجر الأفعال إلى الأسماء، لأن معناها الإضافة، تضيف فعلا إلى الاسم، أو معنى إلى الإسم كقولك: مررت بزيد، وعمرو كزيد، وإنما كسرت الباء لتكون حركتها مثل عملها (٣).

وبين الفرق بين الاستفهام والتسوية عند تفسير قوله تعالى {إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم ام لم تنذرهم لايؤ منون} (٤) قال: ومعنى لفظ الاستفهام في {ءأنذرتهم} التسوية وهو في المعنى خبر لكن التسوية تجري في اللفظ مجرى لفظ الاستفهام. والمعنى على الخبر تقول: سواء علي أقمت أم قعدت. وإنما صار لفظ التسوية مثل لفظ الاستفهام للمعارضة التي بينهما، وذلك أنك إذا قلت: قد علمت أزيد في الدار أم عمرو. فقد سويت علم المخاطب فيهما، فلا يدري أيهما في الدار، مع علمه أن أحدهما في الدار، ولايدري بعينه، فهذا تسوية.

وتقول في الاستفهام: أزيد في الدار أم عمرو؟ فأنت لاتدري أيهما في الدار، وقد استوى علمك في ذلك، وتدري أحدهما في الدار، ولا تدري عينه منهما فقد صار الاستفهام كالتسوية، في عواقب الأمور. غير أن التسوية إبهام على المخاطب وعلم يقين عند المتكلم، والاستفهام إبهام على المتكلم،


(١) الشورى: ٣.
(٢) الهداية ٣/ ٣٩٨.
(٣) الهداية ٣/ ٢٠٢.
(٤) البقرة: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>