للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كانت السيما تدل على حال صاحبها ويعرف بها حاله أقامها الله سبحانه مقام الإخبار عن حال صاحبها فقال: {تعرفهم بسيماهم} (١) وقد قال الشيخ العارف بالله صاحب الكلم الفارقية والحكم الحقيقية: كل مادل على معنى فقد أخبر عنه ولو كان صامتا، وأشار إليه ولو كان ساكتا، لكن حصول الفهم والمعرفة بحسب اعتبار المعتبر ونظر المتأمل المتدبر. انتهى (٢)

ومنه قوله:

حدثني من أثق به أنه جلس عند شيخ من الأفاضل يجود عليه القرآن، فقرئت عليه هذه الآية فبكى عندها ثم بكى إلى أن فاضت نفسه، ومال فحركوه فإذا هو ميت رحمه الله، ونفع به.

ياهذا من صحا عقله من سكر هواه وجهله، احترق بنار الندم والخجل من مهابة نظر ربه، وتنكرت صورة حاله في عينه نفوس الأغبياء الجهال، غافلة عن العظمة والجلال، ولاهية عن أهوال العباد والمآل، مشغولة برذائل الأموال، ولا يعلمون أنها فتنة ووبال، وطول حساب وبلاء وبلبال، اغتنموا ياذوي البصائر نعمة الإمهال، واطرحوا خوادع الأماني وكواذب الآمال، فكأن قد فجأتكم هواجم الآجال. انتهى من (الكلم الفارقية في الحكم الحقيقية) (٣)

وقال في سورة النساء:

تأمل رحمك الله صدر هذه السورة؛ معظمه إنما هو في شأن الأجوفين البطن والفرج مع اللسان، وهما المهلكان، وأعظم الجوارح آفة وجناية على الإنسان، وقد روينا عن مالك في الموطأ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من وقاه الله شر اثنتين ولج الجنة، مابين لحييه وما بين رجليه، مابين لحييه وما بين رجليه، مابين لحييه وما بين رجليه " (٤) قال أبو عمر ابن عبد البر في التمهيد: ومعلوم أنه أراد - صلى الله عليه وسلم - مابين لحييه: اللسان، وما بين رجليه: الفرج".والله أعلم (٥)


(١) البقرة: ٢٧٣.
(٢) الجواهر ١/ ٢٦٧ - ٢٦٨.
(٣) الجواهر ١/ ٢٧٤ - ٢٧٥.
(٤) الموطأ - كتاب الجامع - باب مايخاف من شر اللسان ٢/ ٢٥٣ عن عطاء بن يسار مرسلا وقال ابن عبد البر: ورد معناه متصلا من حديث جابر وسهل بن سعد وأبي موسى وأبي هريرة (انظر تنوير الحوالك ٢/ ٢٥٣) وحديث سهل أخرجه الترمذي - كتاب الزهد - باب في حفظ اللسان ٤/ ٦٠٦ وقال: حسن صحيح غريب.
(٥) الجواهر ١/ ٤١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>