للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ت ٢٩٧) الرباط في قصر الطوب ونزل لرقادة وقال: كنا نحرس عدواً بيننا وبين البحر، فتركناه وأقبلنا على حراسة هذا الذي حل بساحتنا لأنه أشد علينا من الروم، فكان يجلس طول اليوم محاذياً لرقادة ومعه سلاحه وكان يقول: أحرس عورات المسلمين من هؤلاء القوم فإن رأيت منهم شيئاً حركت المسلمين عليهم (١) ولكن جبلة لم يعش في حكم العبيديين إلا سنة واحدة.

وفي بداية الحكم العبيدي بايع أهل القيروان وكثير من قبائل أفريقية أبا عبد الله السدري على جهاد بني عبيد إلا أن خبره بلغ عبيد الله، فخرج إلى مكة فلما عاد قبضوا عليه وقربوه للقتل، وكان على درجة عظيمة من العبادة والتقوى فهرب العسكر كله فلم يجدوا أحداً يقتله، فأخذوا رومياً سقوه خمراً حتى سكر فقتله ثم

صلبوه (٢)، لعنهم الله تعالى وكان قتله سنة ٣٠٩ هـ.

فلما ثار أبو يزيد مخلد بن كيداد الخارجي النكاري (٣) واشتد أمره سنة ٣٣٢ هـ، واستولى على القيروان رأى العلماء أن الخروج معه واجب لأنه من أهل القبلة أما الرافضة فهم مجوس زال عنهم اسم الإسلام وقالوا: إن ظفرنا بهم لم ندخل تحت طاعة أبي يزيد والله يسلط عليه إماماً عادلاً يخرجه عنا (٤)، وخرجوا إلى المهدية سنة ٣٣٣ هـ بقيادة العلماء، ولكن أبا يزيد غدر بهم فاستشهد منهم خمسة وثمانون عالماً (٥)، فتنكر الناس لأبي يزيد، ومنعوه من دخول القيروان.

وقد شهد عهد أبي يزيد نشاطاً علمياً ملحوظاً حيث عادت الحياة إلى المساجد، وحلق العلماء للتدريس (٦)، ولما استرد العبيديون نفوذهم على القيروان رجع الوضع كهيئته أولاً.


(١) الرياض ٢/ ٣٧، ٣٨.
(٢) الرياض ٢/ ١٦٩.
(٣) انظر عنه وعن ثورته: الكامل ٦/ ٣٠٢، اتعاظ الحنفاء ٧٥، إتحاف أهل الزمان ١/ ١٢٤، العبر ٤/ ٤٠، ٧/ ١٣، الإباضية بالجريد ١٢٠، البيان المغرب ١/ ٢١٦، والنكارية فرقة منشقة من الإباضية بعد وفاة عبد الرحمن بن رستم مؤسس دولتهم الرستمية خالفت في بيعة ابنه عبد الوهاب وأنكرت ذلك (انظر: في تاريخ المغرب والأندلس ص: ١٧٦).
(٤) انظر في مناقشتهم لمسألة الخروج مع أبي يزيد: الرياض ٢/ ٢٩٢ - ٢٩٩، ٣٣٨ - ٣٤٥، المعالم ٣/ ٢٩ - ٣٤، المدارك ٣/ ٣١٨ - ٣٢١.
(٥) انظر الشجرة ٨٣.
(٦) انظر: المدارك ٣/ ٣٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>