للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاعتبر ابن تيمية أن المشي ليس مقصودًا لذاته حتى يذهب إلى الأبعد مع تيسر الأقرب.

• حجة من قال: لا يقصد الأبعد مع وجود الأقرب لكثرة الخطا:

الدليل الأول:

(ح-١٠٦٨) روى البخاري ومسلم من طريق ابن شهاب، عن عروة بن الزبير،

عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه ... (١).

فما يقع من المشاق في العبادة سواء أكان في الغايات أم في الوسائل لا يقصدها المكلف من حيث كونها مشقة، بل يقصدها لجلب المصالح في الأوامر، ودفع المفاسد في النواهي، فإن وقعت المشقة عرضًا، أو كانت العبادة لا تتأتى إلا بها أثيب عليها، فإذا تحققت المصلحة بلا مشقة كان ذلك أحب للشارع.

يقول العز بن عبد السلام: «لا يصح التقرب بالمشاق؛ لأن القرب كلها تعظيم للرب سبحانه وتعالى، وليس عين المشاق تعظيمًا، ولا توقيرًا» (٢).

واستدل الشاطبي بأن الشارع لا يقصد المشقة بالتكليف بأدلة منها:

أحدها: النصوص الدالة على إرادة التخفيف والتيسير،

قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥].

وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ} [النساء: ٢٨].

وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨].

وقال تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: ١٥٧].

ولو كان الشارع يقصد المشقة بالتكليف ما كان اليسر والتخفيف من مقاصد الشريعة.

الثاني: ما ثبت أيضًا من مشروعية الرخص، وهو أمر مقطوع به، ومما علم من دين الأمة ضرورة، كرخص القصر، والفطر والجمع، كل ذلك دليل على أن المشقة من أسباب التخفيف، وليست من أسباب التكليف (٣).


(١). صحيح البخاري (٣٥٦٠)، وصحيح مسلم (٧٧ - ٢٣٢٧).
(٢). قواعد الأحكام في مصالح الأنام (١/ ٣٦).
(٣). انظر الموافقات (٢/ ٢١١، ٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>