للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملائكةِ ينادي: ﴿اسْجُدُوا﴾، فتطهَّروا من حَدَثِ دعوى ﴿وَنَحْنُ﴾ [البقرة: ٣٠] بماء العذر في آنية ﴿لَا عِلْمَ لَنَا﴾ [البقرة: ٣٢]، فسجدوا على طهارة التسليم. وقام إبليسُ ناحيةً لم يَسجُدْ؛ لأنَّه خَبَثٌ، وقد تلوَّثَ بنجاسة الاعتراض، وما كانتْ نجاستُه تُتلافىَ بالتطهير؛ لأنَّها عينيةٌ.

فلما تمَّ كمالُ آدم قيل: لا بُدَّ من خالِ جمالٍ على وجهِ ﴿اسْجُدُوا﴾، فجرى القدرُ بالذِّنْبِ؛ ليتبيَّنَ أثرُ العبوديَّةِ في الذُّلِّ.

يا آدمُ! لو عُفِيَ لك عن تلك اللُّقْمَةِ لقال الحاسدونَ: كيف فُضِّلَ ذو شَرَهٍ لم يَصبِرْ على شجرة؟!

لولا نزولُك ما تصاعدتْ صُعداءُ الأنفاس، ولا نزلتْ رسائلُ "هل من سائلٍ" (١)، ولا فاحتْ روائحُ "ولخُلُوفُ فمِ الصَّائمِ" (٢)؛ فتبيَّنَ حينئذٍ أنَّ ذلك التناول لم يكنْ عن شرَهٍ.

يا آدمُ! ضَحِكُك في الجنةِ لك، وبكاؤُك في دارِ التكليف لنا.

ما ضُرَّ مَن كَسرَهُ عزِّي إذا جَبَرَهُ فَضْلي. إنما تليقُ خِلْعَةُ العِزِّ ببدنِ الانكسارِ. أنا عند المنكسرةِ قلوبُهم من أجلي (٣).

ما زالتْ تلك الأكْلةُ تُعادُّه حتى استولى داؤه على أولادِهِ، فأرسلَ


(١) قطعة من حديث النزول، وهو متواتر، وأخرجه البخاري (١١٤٥) ومسلم (٧٥٨) عن أبي هريرة.
(٢) أخرجه البخاري (١٨٩٤) ومسلم (١١٥١) عن أبي هريرة في فضل الصيام.
(٣) أخرج أحمد في الزهد (ص ٩٥) وأبو نعيم في الحلية (٦/ ١٧٧) عن عمران القصير أن موسى قال: أي ربّ! أين أجدك؟ فقال تعالى: "أنا عند المنكسرة … ".

<<  <  ج: ص:  >  >>