فإنْ قال هذا المَلِكُ المأسورُ: قد شَدَّ عَدُوِّي وَثاقي، وأحكمَ رِباطي، واستوثقَ منِّي بالقيود، ومنعَني من النهوض إليك والفرار إليك والمسيرِ إلى بابِكَ؛ فإن أرسلتَ جندًا من عندك يَحُلُّ وثاقي ويَفُكُّ قُيودي ويُخرِجُني من حبسِهِ؛ أمْكَنَني أن أوافيَ بابك، وإلَّا لم يُمكِنِّي مفارقةُ مَحْبِسي ولا كسرُ قيودي.
فإن قالَ ذلك احتجاجًا على ذلك السلطان، ودَفْعًا لرسالتِهِ، ورضًى بما هو فيه عند عدوِّهِ؛ خَلَّاه السلطانُ الأعظمُ وحاله وولَّاه ما تولَّى.
وإنْ قال ذلك افتقارًا إليه، وإظهارًا لعجزِهِ وذُلِّهِ، وأنه أَضْعَفُ وأَعْجَزُ أن يسير إليه بنفسه، ويخرُجَ من حبس عدوِّه، ويتخلَّصَ منه بحَوْلِهِ وقوَّتِهِ، وأنَّ من تمام نعمةِ ذلك الملكِ عليه -كما أرسلَ إليه هذه الرسالة- أن يُمِدَّهُ من جُندِهِ ومماليكِهِ بمن يُعينُهُ على الخلاص ويَكسِرُ باب مَحْبِسِهِ ويَفُكُّ قيودَه؛ فإنْ فعلَ به ذلك فقد أتمَّ إنعامَه عليه، وإنْ تخلَّى عنه فلم يَظْلِمْهُ ولا مَنَعَهُ حقًّا هو له، وأنَّ حمده وحكمته اقتضى منعَه وتخليتَهُ في مَحْبسِه، ولا سيَّما إذا علم أن الحبس حبْسُهُ، وأنَّ هذا العدوَّ الذي حبسَهُ ممَلوك من مماليكِهِ، وعبدٌ من عبيدِهِ، ناصيتُهُ بيدِهِ، لا يتصرَّفُ إلا بإذنِهِ ومشيئتِهِ؛ فهو غيرُ ملتفتٍ إِليه، ولا خائفٌ منه، ولا معتقدٌ أنَّ له شيئًا من الأمر ولا بيده نفعٌ ولا ضرٌّ، بل هو ناظرٌ إلى مالِكِه ومتولِّي أمره ومن ناصيتُهُ بيده، قد أفرَدَهُ بالخوفِ والرجاءِ والتضرُّعِ إليه والالتجاءِ والرغبة والرهبة؛ فهناك تأتيه جيوشُ النصرِ والظَّفَرِ.
• أعلى الهِمَم في طلب العلم طلب علمِ الكتابِ والسُّنَّةِ، والفهم عن الله ورسوله نفسَ المراد، وعلم حدود المُنْزَل، وأخَسُّ هِمَم طلَّابِ العلم قَصْرُ هِمَّتِهِ على تتبُّع شواذِّ المسائل وما لم يَنْزِلْ ولا هو واقعٌ، أو كانتْ