للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنهم، والمُحامي عنهُم، والناصرُ لهم، والكفيلُ بمصالحهم، والمُنجي لهم من كلِّ كربٍ، والمُوفِي لهم بوعده، وأنَّه وليُّهم الذي لا وليَّ لَهم سواهُ؛ فهو مولاهم الحقُ، ونَصيرُهم على عدوِّهم؛ فنعم المولى ونعم النصيرُ.

فإذا شَهدتِ القلوبُ من القرآن ملكًا عظيمًا رحيمًا جوادًا جميلًا هذا شأنُهُ، فكيف لا تُحِبُّه، وتُنافِسُ في القُرْب منه، وتُنْفِقُ أنفاسها فيِ التودُّد إليه، ويكون أحبَّ إليها من كل ما سواه، ورضاهُ آثر عندها من رِضى كلِّ ما سواه؟! وكيف لا تلهَجُ بذكْرِهِ، ويصير حبُّه والشوقُ إليه والأُنسُ به هو غذاءها وقُوتَها ودواءَها؛ بحيثُ إن فقدتْ ذلك، فسدتْ وهلكتْ ولم تَنتفعْ بحياتِها؟!

فائدة

قَبولُ المَحلِّ لما يُوضع فيه مشروطٌ بتفريغه من ضدِّه، وهذا كما أنَّه في الذَّواتِ والأعيان؛ فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات:

فإذا كان القلبُ ممتلئًا بالباطل اعتقادًا ومحبةً؛ لم يبْقَ فيه لاعتقاد الحقِّ ومحبتِهِ موضعٌ؛ كما أنَّ اللسان إذا اشتغلِ بالتكلُّم بما لا ينفعُ؛ لم يَتمكَّنْ صاحبُهُ من النُّطق بما ينفعُهُ؛ إلا إذا فرَّغ لسانه من النُّطق بالباطل، وكذلك الجوارحُ إذا اشتغلت بغير الطاعة؛ لم يُمكن شغلها بالطَّاعة إلَّا إذا فرَّغها من ضدِّها.

فكذلك القلبُ المشغولُ بمحبَّة غير الله وإرادته والشوق إليه والأُنْس به لا يُمكن شغلُهُ بمحبة الله وإرادتِهِ وحبِّه والشوق إلى لقائه؛ إلا بتفريغِهِ من تعلُّقه بغيره، ولا حركة اللسان بذكره والجوارح بخدمتِهِ؛ إلَّا إذا فرَّغها من ذكر غيره وخدمته؛ فإذا امتلأ القلبُ بالشُّغْل بالمخلوق والعلوم

<<  <  ج: ص:  >  >>