للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسًا وزينةً تُجمِّل ظواهرهم وتقوى تُجمِّل بواطنهم فقال: ﴿يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيرٌ﴾ [الأعراف: ٢٦]، وقال في أهل الجنة: ﴿وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (١١) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً (١٢)[الإنسان: ١١ - ١٢]؛ فجمَّلَ وجوهَهم بالنضرة وبواطنَهم بالسرور وأبدانَهم بالحرير.

وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال واللباس والهيئة يُبغِضُ القبيح من الأقوال والأفعال والثياب والهيئة؛ فيبغض القبيح وأهله، ويحب الجمال وأهله.

ولكن ضل في هذا الموضع فريقان:

فريق قالوا: كل ما خلقه جميل؛ فهو يحب كل ما خلقه، ونحن نحب جميع ما خلقه؛ فلا نبغض منه شيئًا. قالوا: ومن رأى الكائنات منه رآها كلها جميلة. وأنشد منشدهم:

وإذا رأيتَ الكائناتِ بعينهم … فجميعُ ما يَحوِي الوجودُ مليحُ

واحتجوا بقوله تعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧]، وقوله: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيءٍ﴾ [النمل: ٨٨]، وقوله: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ [الملك: ٣]. والعارف عندهم هو الذي يُصرِّح بإطلاق الجمال ولا يرى في الوجود قبيحًا. وهؤلاء قد عُدِمَتِ الغيرةُ لله من قلوبهم والبغضُ في الله والمعاداة فيه وإنكار المنكر والجهاد في سبيله وإقامة حدوده! ويَرى جمال الصور من الذُّكور والإناث من الجمال الذي يحبه الله، فيتعبدون بفسقهم! وربما غلا بعضهم حتى يزعم أن معبوده

<<  <  ج: ص:  >  >>