للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإخلاص.

ولا يتمكَّنُ من جهادِ عدوِّهِ في الظاهرِ إلَّا من جاهدَ هذه الأعداءَ باطنًا؛ فمن نُصِر عليها نُصِرَ على عَدُوِّهِ، ومن نُصِرَتْ عليه نُصِرَ عليه عدُوُّهُ.

فصل

ألقى الله سبحانه العداوةَ بين الشيطان وبين الملَك، والعداوة بين العقل وبين الهوى، والعداوة بين النفس الأمَّارةِ وبين القلب، وابتلى العبدَ بذلك، وجمع له بين هؤلاءِ، وأمدَّ كلَّ حزبٍ بجنودٍ وأعوان؛ فلا تزالُ الحربُ سِجالًا ودُوَلًا بين الفريقين إلى أن يستولي أحدُهما على الآخر ويكون الآخرُ مقهورًا معهُ. فإذا كانتِ النوبةُ للقلبِ والعقل والملك؛ فهنالك السُّرور، والنعيمُ، واللَّذَّةُ، والبهجةُ، والفرحُ، وقُرَّةُ العين، وطيبُ الحياةِ، وانشراحُ الصدرِ، والفوزُ بالغنائم. وإذا كانتِ النوبةُ للنفس والهوى والشيطان؛ فهنالك الغمومُ، والهمومُ، والأحزانُ، وأنواعُ المكارِهِ، وضيقُ الصدر، وحبسُ المَلِكِ.

فما ظنُّكَ بمَلِكٍ استولى عليه عدوُّه، فأنزلَهُ عن سرير مُلكِهِ، وأسرَهُ، وحبسَهُ، وحال بينه وبين خزائِنِه وذخائرِهِ وخَدَمِهِ، وصَيَّرها له، ومع هذا فلا يتحرَّكُ الملكُ لطلب ثأرِهِ، ولا يَستغِيثُ بمن يُغِيثُهُ، ولا يَستنجِدُ بمن يُنْجِدُهُ؟!

وفوقَ هذا المَلِكِ مَلِكٌ قاهرٌ لا يُقْهَرُ، وغالبٌ لا يُغْلَبُ، وعزيزٌ لا يُذَلُّ، فأرسل إليه: إن استنصرْتَني نصرتُك، وإن استغثتَ بي أغثتُك، وإن التجأتَ إليَّ أخذتُ بثأرِكَ، وإن هربتَ إليَّ وأويتَ إليَّ سَلَّطْتكَ على عدوِّك، وجعلتُهُ تحتَ أَسْرِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>