للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو تصور العاقلُ ما في ذلك من الألم والحسرة لبادرَ إلى قطع هذا التعلُّق كما يُبادِرُ إلى حَسْم موادِّ الفساد، ومع هذا فإنه ينالُ نصيَبه من ذلك؛ وقلبُه وهمُّه متعلقٌ بالمطلب الأعلى.

والله المستعانُ.

فصل

إياك والكذبَ؛ فإنَّه يُفْسِدُ عليك تصوُّرَ المعلومات على ما هي عليه، ويُفسِد عليك تصويرَها وتعليمَها للناس!

فإن الكاذب يُصوِّرُ المعدومَ موجودًا والموجودَ معدومًا، والحقَّ باطلًا والباطلَ حقًّا، والخير شرًّا والشرَّ خيرًّا؛ فيفسُدُ عليه تصوُّرُه وعلمه عقوبةً له. ثم يُصوِّر ذلك في نفس المخاطب المغترّ به الراكن إليه؛ فيُفسِدُ عليه تصوُّرَه وعلمه.

ونفس الكاذب معرضةٌ عن الحقيقة الموجودة، نزَّاعةٌ إلى العدم، مُؤثِرةٌ للباطل.

وإذا فسدتْ عليه قوةُ تصوُّره وعلمه التي هي مبدأ كلِّ فعل إراديٍّ؛ فسدتْ عليه تلك الأفعالُ، وسَرى حكم الكذب إليها، فصار صدورُها عنه كصدور الكذب عن اللسان؛ فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله.

ولهذا كان الكذبُ أساسَ الفجور؛ كما قال النبي : "إنَّ الكذب يهدي إلى الفُجور، وإن الفجور يهدي إلى النَّار" (١).

وأولُ ما يَسرِي الكذبُ من النفس إلى اللسان فيُفسِدُه، ثم يسري إلى


(١) أخرجه البخاري (٦٠٩٤) ومسلم (٢٦٠٧) عن ابن مسعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>