• لمَّا عرف الموفَّقون قدْرَ الحياةِ الدُّنيا وقلة المُقام فيها؛ أماتوا فيها الهوى طلبًا لحياة الأبد. لمَّا استيقظوا من نوم الغفلة؛ استرجعوا بالجدِّ ما انتهبَهُ العدوُّ منهم في زمن البطالة، فلما طالت عليهم الطريقُ تلمَّحَوا المقصد، فقَرُبَ عليهم البعيدُ، وكلَّما أمرَّتْ لهم الحياةُ حَلا لهم تذكُّرُ ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣)﴾ [الأنبياء: ١٠٣].
حَدَوْا عَزَماتٍ ضاعتِ الأرْضُ بينَها … فصارَ سُراهُمْ في ظهور العزائِمِ
تُرِيهِمْ نُجومُ اللَّيْلِ ما يَبْتَغونَهُ … على عاتِقِ الشِّعْرى وهامِ النَّعائِمِ
إذا اطَّرَدتْ في مَعْرِكِ الجِدِّ قَصَّفوا … رماحَ العَطايا في صُدورِ المكارِم (١)
فصل
من أعجبِ الأشياءِ: أن تعرِفَه ثم لا تحبَّهُ، وأن تسمع داعِيَهُ ثم تتأخَّر عن الإجابة، وأن تعرفَ قدرَ الربح في معاملتِهِ ثم تعامل غيرَهُ، وأن تعرف قدْر غضبهِ ثم تتعرَّض له، وأن تذوقَ ألمَ الوَحْشةِ في معصيتِهِ ثم لا تَطْلُبَ الأنسَ بَطاعتِهِ، وأن تذوقَ عُصْرةَ القلبِ عند الخوْض في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصَّدْرِ بذِكْرِهِ ومناجاتِهِ، وأن تذوقَ العذابَ عند تعلُّق القلب بغيره ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه!! وأعجبُ من هذا علمُك أنَّك لا بدَّ لك منهُ وأنَّك أحوجُ شيءٍ إليه وأنت عنه مُعْرِضٌ وفيما يُبعِدُك عنه راغبٌ!!