والله سبحانه أخبر عن الأرض بأنَّها تكونُ خاشعةً، ثم يَنزِلُ عليها الماء، فتهتزُّ وتربو وتأخذُ زينتها وبهجتها؛ فكذلك المخلوق منها إذا أصابهُ حظُّه من التوفيق.
وأمَّا النارُ فطبعُها العلوُّ والإفسادُ، ثم تخمُدُ فتصيرُ أحقرَ شيءٍ وأذلَّهُ، وكذلك المخلوقُ منها؛ فهي دائمًا بين العلو إذا هاجت واضطربت، وبين الخِسَّة والدَّناءة إذا خَمَدتْ وسكنتْ.
والأخلاق المذمومةُ تابعةٌ للنار والمخلوق منها، والأخلاقُ الفاضلةُ تابعةٌ للأرض والمخلوق منها؛ فمن عَلتْ همَّتُهُ وخشَعتْ نفسُه اتَّصف بكل خلق جميل، ومن دَنَتْ همته وطغَتْ نفسه اتَّصف بكلِّ خلق رذيل.
فصل
المطلبُ الأعلى موقوفٌ حصولُه على همةٍ عاليةٍ ونيةٍ صحيحةٍ؛ فمن فقدهما تعذَّر عليه الوصولُ إليه.
فإن الهمَّة إذا كانت عاليةً تعلَّقتْ به وحده دون غيره، وإذا كانت النيةُ صحيحةً سلك العبدُ الطريقَ الموصلة إليه؛ فالنية تُفرد له الطريقَ، والهمةُ تُفرد له المطلوبَ؛ فإذا توحَّدَ مطلوبه والطريق الموصلة إليه كان الوصولُ غايتَه.
وإذا كانت همَّتُهُ سافلةً تعلقتْ بالسُّفليات ولم تتعلَّق بالمطلب الأعلى، وإذا كانت النيةُ غيرَ صحيحة كانت طريقُهُ غير موصلةٍ إليه.
فمدارُ الشأن على همة العبد ونيَّته، وهما مطلوبُهُ وطريقُهُ، ولا يتمُّ له إلا بتركِ ثلاثة أشياء: