حملت البدنَ ودفعتْ عنه كثيرًا من الآفات، وإذا كانت القوة ضعيفةً ضعُف حملُها للبدن وكانت الآفاتُ إليه أسرع شيءٍ.
فاحملْ بنيانَك على قوَّة أساس الإيمان؛ فإذا تشعَّثَ شيءٌ من أعالي البناء وسطحه كان تداركه أسهلَ عليك من خراب الأساس.
وهذا الأساس أمران: صحةُ المعرفة بالله وأمره وأسمائه وصفاته. والثاني: تجريدُ الانقياد له ولرسوله دون ما سواه. فهذا أوثق أساسٍ أسَّس العبدُ عليه بنيانَه، وبحسبه يعتلي البناء ما شاء.
فأحْكِم الأساسَ، واحفظ القوة، ودُمْ على الحِمْية، واستفرِغْ إذا زاد بك الخلط، والقصدَ القصدَ وقد بلغتَ المراد، وإلَّا فما دامت القوة ضعيفةً والمادةُ الفاسدة موجودةً والاستفراغُ معدومًا:
فاقْرَ السَّلامَ على الحياة فإنَّها … قد آذنتْك بسرعةِ التَّوْديعِ
فإذا كملَ البناءُ؛ فبيِّضْه بحسن الخلق والإحسان إلى الناس، ثم حُطْهُ بسُورٍ من الحذر لا يقتحمه عدوٌّ ولا تبدو منه العورة، ثم أَرْخِ السُّتورَ على أبوابه، ثم أقْفِلِ البابَ الأعظم بالسكوت عما تخشى عاقبته، ثم رَكِّبْ له مفتاحًا من ذكر الله به تفتحه وتغلقه؛ فإن فتحتَ فتحتَ بالمفتاح، وإن أغلقتَ الباب أغلقتَه به، فتكون حينئذٍ قد بنيتَ حِصنًا تحصَّنتَ فيه من أعدائك؛ إذا طاف به العدو لم يجد منه مدخلًا، فييأس منك.
ثم تعاهدْ بناءَ الحصن كلَّ وقت؛ فإن العدو إذا لم يطمع في الدخول من الباب نَقَبَ عليك النقوبَ من بعيد بمعاول الذُّنوب. فإن أهملتَ أمرهُ وصل إليك النَّقبُ؛ فإذا العدو معك في داخل الحصن، فيصعب عليك